البنية التحتية المتهالكة وغياب المحفزات وتأثير المناخ على المتوسط تقوض تجارة الثروة البحرية.
يتصاعد تذمّر صيادي الأسماك في تونس على خلفية عجز الدولة عن تحسين ظروف نشاطهم في ظل تهالك البنية التحتية والتداعيات العميقة التي خلفها التغير المناخي على الثروة البحرية في البحر المتوسط، وهو ما جعلهم في صراع من أجل البقاء للحفاظ على مورد رزقهم ببلد يعاني من هشاشة في مستويات النمو الاقتصادي.
تونس - تُعزز أحدث المؤشرات التي يجريها الباحثون والمعنيون بصناعة الثروة السمكية في تونس حالة الإحباط السائدة بين ممارسي الصيد البحري التقليدي خوفا من تدهور أعمالهم، نظرا لاصطدامهم بعدة مطبات تعيق حصولهم على عوائد ثابتة من موردهم الوحيد.
ويؤكد الخبراء أنه لم يعد بإمكان المشرفين على القطاع، وخاصة وزارة الفلاحة والصيد البحري، تأجيل العلاجات الاقتصادية أكثر لإنقاذ هذا المجال المهم المحاصر بالأزمات المركبة.
وتتجلى مظاهر تلك التحديات في غياب قوانين ومحفزات تسهم في منع عزوف الشباب عن الانضمام إلى العمل في صيد وتجارة الأسماك، فضلا عن غياب ظروف التأمين والسلامة، إلى جانب تهالك البنية التحتية والأبعاد المناخية التي أثرت كثيرا على تكاثر الأسماك في البحر المتوسط.
ومنذ سنوات طويلة يمر صغار الصيادين بظروف صعبة نظرا لعدم انتفاعهم بالتأمين الصحي في حال التعرض لحوادث أثناء عملهم، في نشاط يعد واحدا من القطاعات التي تعد وضعية العاملين فيه هشة.
وتشير تقديرات المحللين إلى أن تونس لا تزال بعيدة عن استثمار الموارد السمكية المتاحة لها بالشكل الأمثل أو حتى دعم أولئك الذين يمارسون الصيد التقليدي رغم سواحلها الطويلة على البحر المتوسط بسبب التأخر في تنفيذ خطط النهوض بالصناعة السمكية.
وسعت السلطات دون جدوى للتركيز على الاقتصاد الأزرق بغية إيجاد مصادر تنموية مستدامة تغطي عدة قطاعات، من بينها صناعات مختلف أنماط الهياكل العائمة والجزر الاصطناعية والسياحة والنقل والتجارة البحرية.
وحذرت دراسة، قام بها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مما يتسم به وضع صيادي الأسماك التقليديين من هشاشة والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها هذه الفئة المجتمعية في تونس رغم أهميّة مساهمتها في الإنتاج.
وأظهرت الباحثة آمنة بلكحلى في دراستها التي نشرت البعض من تفاصيلها مؤخرا وكالة الأنباء التونسية الرسمية، وشملت 450 من صغار الصيادين في كل من مدينة طبلبة من ولاية (محافظة) المنستير وقرقنة من ولاية صفاقس وجرجيس من ولاية مدنين، العديد من المشكلات المزمنة التي تواجه القطاع.
وسلطت بلكحلى الضوء بشكل أساسي على التراجع التدريجي في الموارد السمكية وضعف كفاءة الصيادين ونقص البنية التحتية وغياب الأمن في عرض البحر.
كما أشارت إلى الصراع مع بقيّة النشاطات الأخرى، خاصّة الصيد بالكيس، بالإضافة إلى تسلل المراكب المخصصة للصيد بأعالي البحار للصيد في أعماق منخفضة واستخدام بنادق الصيد البحري في أعماق أقل من 35 مترا وعدم احترام فترة الراحة البيولوجية للأسماك.
وتطرق الصيادون، الذين تم استجوابهم في هذه الدراسة، إلى عدم انتظام العمل على امتداد العام بسبب الظروف المناخية، وكذلك عدم توفر الموارد الكافية في المكان والزمان.
وأظهرت الوثيقة، فضلا عن ذلك، أنّه رغم أهميّته الاقتصاديّة والاجتماعيّة ومساهمته في تحقيق التنمية الجهويّة يبقى الصيد في سواحل البلاد تقليديا بالنسبة إلى أغلب الوحدات.
وتكشف تقارير رسمية أن إنتاج قطاع الصيد البحري في البلاد تراجع بنسبة 4 في المئة خلال السنوات الأخيرة، مقارنة بما كان عليه في 2010.
وتظهر دراسة المنتدى أن الصيد التقليدي، الذي يمارسه أكثر من 54 ألف صياد، ساهم بنسبة 36 في المئة من إجمالي الإنتاج البحري للبلاد خلال 2019، أي في العام الذي سبق انتشار الجائحة، وأنه إذا تم وضع استراتيجية لتطويره فإنه قد يحقق أرقاما أعلى.
وفي مواجهة كل هذه المشكلات حذرت الدراسة من تنامي تراجع معدلات استيعاب قطاع الصيد البحري للشباب، وخاصة الأشخاص الأقل من 30 عاما، من سنة إلى أخرى في ظل ما يشهده المجال من تهرم في أعمار من يمارسونه، مما يجعله مهددا أكثر من أي وقت مضى.
وتظهر التقديرات أن نمو القطاع بنسبة واحد في المئة يتيح توفير ما يقارب ألف فرصة عمل جديدة سنويا ، ما يعني أن التركيز عليه وتطويره سيساعدان في خفض معدلات البطالة التي بلغت بنهاية النصف الأول من العام الحالي مستويات عالية؛ حيث وصلت إلى نحو 17.8 في المئة.
ولحماية الأعمال المرتبطة بالصيد التقليدي وضمان استدامته تعتقد بلكحلى أن الجهات المعنية مطالبة بالإسراع في وضع استراتيجية شاملة لإصلاح وتنمية الصيد التقليدي.
وترى أن النهوض بالاقتصاد الأزرق لا بد أن تسبقه إصلاحات لتفكيك العقبات أمام قطاع الصيد البحري، والتي من أهمها القضاء على الصيد العشوائي وتأهيل بنية الموانئ والأسطول والعاملين في القطاع والتغطية الاجتماعية للصيادين.
وتتمحور رؤية الباحثة التونسية أيضا حول تطوير القوانين والتشريعات المنظمة لمسالك التوزيع في السوق المحلية، إلى جانب دعم دور المنظمات المهنية المعنية بالقطاع، مما سيحفز هذا المجال على تحقيق مستويات نمو أعلى مستقبلا.
وكانت تونس قد أقرت في مطلع 2017 سلسلة من الإجراءات لتطوير القطاع، من أبرزها الاتفاق على إعداد منظومة متوازنة للضمان الاجتماعي لفائدة الصيادين. وعلى الرغم من ذلك بقيت الأمور على ما هي عليه.
ومنذ العام الماضي بدأت وزارة الفلاحة والصيد البحري، بالتعاون مع الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، في إعداد استراتيجيات للنهوض بالثروة السمكية، ومنها استراتيجية تنمية القطاع التي تمتد من 2016 و2026 واستراتيجية بعيدة المدى بحلول 2030.
ويبدو أن اعتماد خطة بعيدة المدى في هذا التوقيت أمر مهم للغاية خاصة وأن السلطات التونسية في حاجة إلى تعبئة المزيد من الموارد للخزينة العامة من قطاعات استراتيجية.
وفعليا تتعاون تونس مع البنك الدولي الذي أعلن في 2020 عن برنامج خاص لدول المغرب العربي، ضمن برنامج عالمي موسع كان قد اعتمده في العام 2018، لتجسّد حكومات المنطقة خططها على أرض الواقع من أجل تنمية قطاع الصيد البحري خلال العقدين المقبلين.