عاد جدل المساواة في الميراث إلى الواجهة مجددا في تونس، خلال الأيام القليلة الماضية؛ إثر مبادرة قدمها عدد من نواب البرلمان لتعديل قانون الإرث بما يتيح المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث.
وبينما احتدم الجدل حول هذه المبادرة بين فريقين أحدهما رافض لها، والآخر مؤيد لها، احتكم كلاهما إلى الدستور في دعم موقفه.
إذ يقول الفريق الداعم للمبادرة إن الدستور التونسي لعام 2014 ينص على “تساوي المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات”؛ وبالتالي المساواة بينهم في الميراث، بينما يقول الفريق الرافض لهذه المبادرة إن الفصل الأول للدستور ذاته ينص على أن دين الدولة هو الإسلام، والمساواة في الميراث تتناقض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
بداية الجدل تعود إلى تاريخ 9 ماي الجاري؛ عندما قدّم النائب في البرلمان التونسي، “مهدي بن غربية”، مقترحا لمشروع قانون تحت اسم “مقترح قانون أساسي متعلق بتحديد نظام المنابات (الأنصبة) في الميراث”.
ويقول الفصل الأول (المادة الأولى) من المقترح، الذي وقع عليه 27 نائبا، إنه “عند غياب أي اتفاق صريح ومكتوب مخالف بين الورثة، تُقسّم التركة باعتماد التساوي في المنابات بين المرأة والرجل عند التساوي في الوضعيات العائلية(أي عند تّساوي الورثة في قرابَتهم من الموروث”.
ووفق النظام الدّاخلي للبرلمان التونسي، يحق تقديم مقترحات القوانين إلى البرلمان، حال حصل المقترح على توقيعات من عشرة نواب على الأقل.
المقترح لاقى رفضا واسعا من أطراف عدة كان في مقدمتها علماء الدين والكتل السياسية ذات الخلفية الدينية.
ومن بين الرافضين للمقترح مفتي البلاد، عثمان بطيخ، الذي قال في تصريح لراديو “موزاييك”(خاص) إن طرح مثل هذا المقترح “ليس مُناسبا اليوم أو غدا”، مشددا على أنه “لا مجال لتغيير القرآن أو تحريفه”.
وأوضح أن النص القرآني الخاص بأحكام الميراث “بيّن وصريح، ولا يحتمل التأويل أو الاجتهاد”.
“بطيخ” دعا النواب إلى إيجاد حلول للمشكلات الجوهرية التي تعاني منها البلاد بدلا من “إثارة إشكاليات هامشية نحن في غنى عنها”، حسب قوله.
أيضا، استغرب رئيس “الجمعية التونسية لأئمة المساجد”(مستقلة)، سالم العدّالي، “إثارة الموضوع (المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث) في مثل هذا الوقت بالتّحديد”.
وقال إن المقترح، الذي قدمه النائب “بن غربية”، “يتناقض مع الدستور(الذي تم التصديق عليه في 27 يناير/كانون الثاني 2014) في حدّ ذاته؛ ذلك أنّ الفصل الأول منه ينص على أن تونس دولة حُرة، الإسلام دينها والعربيّة لغتها، كما أن الفصل السادس من الدستور ذاته يدعو الدولة إلى أن تكون راعية للشأن الديني وللمقدّسات، والمقترح هذا يتنافى مع ذلك تماماً”.
“العدّالي” اعتبر أن مثل هذه المقترحات من شأنها “المس بالمقدسات الإسلاميّة المتمثلَة في الأحكام الشّرعية التي مضى على تطبيقها 14 قرنا، وهي من المقومات الأساسيّة للمجتمع الإسلامي”.
وأوضح أن “خطورة مثل هذه المقترحات على المجتمع التونسي(حال إقرارها في شكل قوانين) تتمثل في تحريف القرآن والمقدسات الإسلاميّة”.
ودعا “كل أعضاء مجلس النواب بمختلف توجهاتهم إلى رفض هذا المشروع، وإلى إحالة من يتمسك بهذا المشروع من صلب المجلس على لجنة النّظام الدّاخلي لمحاسبتِه على مثل هذا التفكير، ودعوته إلى مراجعة مواقفه من الدستور، ومن مقومات الأمة الإسلاميّة بتونس”.
وينص الفصل الأول من الدستور التونسي على أن “تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها”.
بينما ينص الفصل السادس من الدستور ذاته على أن “الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي”.
“حركة النهضة”، ذات التوجه الإسلامي، والتي سبق أن رفضت مقترحات للمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، تصدّت، أيضا، لمقترح مشروع القانون الجديد.
إذ اعتبرت عضو البرلمان عن الحركة، “فريدة العبيدي”، أن “هذه المبادرة التشريعيّة لم تحترم هوية هذا الشعب ولا دينه ولا عادته ولا تقاليده”.
وقالت لـ”الأناضول” إن المقترح “يتناقض بشكل صريح مع الدستور خاصة في فصله الأول الذّي أكد على أن تونس دينها الإسلام”.
وأضافت أن توطئة هذا الدستور(ديباجته) شدّدت، أيضا، على “تمسك هذا الشعب بهويته العربية الإسلامية”، موضحة أن الدستور “يُفهم كوحدة متكاملة دون تجزئة”.
ورأت أن تقديم مثل هذا المقترح التشريعي يعود إلى الجهل بفهم منظومة الميراث في الإسلام؛ موضحة أن “أهل الاختصاص في الفقه يؤكدون أن هناك حالات كثيرة في الإسلام ترث فيها المرأةُ، ولا يرث فيها الرجل، وأن هناك حالات أخرى تتساوى فيها مع الرجل، ونعتقد أن المبادرة لا تعبر عن موقف كل النساء، وهي تمس من منظومة الميراث العادلة”.
واختتمت تصريحاتها بالتأكيد على طرح مثل هذه المقرح التشريعي “ليس من الأولويات اليوم؛ لأنه قد يشوش ويعطل المسارات التوافقية في البلاد، بل من شأنها أن تقسّم التونسيين وتعيدهم إلى صراع إيديولوجي حول الدّين والهُويّة”.
و”حركة النهضة” تمتلك 67 مقعدا في البرلمان التونسي من إجمالي عدد المقاعد البالغة 217 مقعدا.
ولم يقتصر رفض مقترح مشروع القانون على القيادات الدينية أو الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية، لكن رفضته أيضا أحزاب ليبرالية.
وفي هذا الصدد، اتهم الأمين العام لـ”حزب آفاق تونس”، “فوزي عبد الرحمن”، “بن غربية”، بالعمل على تفرقة المجتمع وإثارة الانقسام بسبب هذا المقترح التشريعي.
وقال، في تصريحات صحفية، إن طرح هذا المقترح يساهم في التغطية على قضايا أهم يعاني منها التونسيون.
أصحاب المقترح قدموا، من جانبهم مبرارتهم، التي تعزز وجهة نظرهم من الإقدام على هذه الخطوة.
إذ قال النائب “بن غربية”، خلال مؤتمر صحفي عقده يوم 9 مايو/أيار الجاري، عند الإعلان عن تقديم هذا المقترح التشريعي للبرلمان، إن غايته “هو أن نسمح للمواطنين أن يختاروا”.
وأوضح أن مقترحهم التشريعي يؤكد على أن الإخوة الورثة لهم الحق في أن يقسموا ميراثهم على النحو الذي يرغبون فيه؛ فإن أرادوا اقتسام الميراث حسب “مجلة الأحوال الشخصية”(القانون الحالي)، كان لهم ذلك، لكن إن اختلفوا فيحق لهم العودة إلى القضاء الذي يحكم بالتساوي بين الرجل والمرأة في حصص الميراث.
وفي تصريحات صحفية أخرى، أوضح “بن غربية” أن المقترح الذي قدمه غرضه تعديل قانون الإرث بما يضمن “توافقه مع الدستور التونسي” الذي يساوي بين الرجل والمرأة.
وينصّ الفصل 21 من الدستور التونسي على “تساوي المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز”، كما أن الدولة “تضمن للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم”.
وصدرت “مجلة الأحوال الشخصية” في العام 1956، وتنظّم قوانين العلاقات الأسرية من زواج وطلاق وميراث، وغيرها.
وبينما منحت هذه المنظومة القانونية المرأة مزيدا من الحقوق، وألغت تعدد الزوجات، حافظت على أحكام الشّريعة الإسلامية في مسألة الميراث.
أيضا، دافعت مقررة لجنة المرأة بالبرلمان التونسي، النائبة “ليلى الحمروني”، عن مقترح القانون، الذي وقعت عليه.
“الحمروني”، التي تنتمي إلى “الكتلة الحرة” في البرلمان (تمتلك 28 مقعدا)، قالت لـ”الأناضول” إن “الهدف من هذا المقترح التشريعي هو الدفاع عن الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة للمرأة التونسية”.
واعتبرت أن المقترح التشريعي “لا يُعبّر عن المساواة التامة والمطلقة(بين الرجل والمرأة) في الإرث”؛ فهو في حال إقراره سيكون نظام اختياري.
وأضافت موضحة: “هذا المشروع يعطي للورثة إمكانية الاختيار بين تقسيم تركتهم وفق القانون الحالي(مجلة الأحوال الشخصية)؛ أي أن يكون للذكر ضعف نصيب الأنثى، ولكن في صورة اعتراض فرد من أفراد العائلة فإن الدولة تنصف المرأة بنفس حظ أخواتها الرّجال”.
وبرّرت أهمية المقترح التشريعي بأوضاع النساء في المناطق الريفية بتونس بصفة خاصة؛ حيث أن الرجال(في أحيان كثيرة) يحظون بكل التركة خاصة الأراضي منها، ويحرمون النساء من حقهن حتى في النصف.
وتابعت: “بعد 60 سنة على إصدار مجلة الأحوال الشخصية نعتقد أنه أن الأوان لكي ننقح بعض الفصول، ونضيف فصولا أخرى، لا سيما بعد التحولات العميقة التّي شهدها المجتمع التونسي من نسب مرتفعة لتمدرس(لتعليم) البنات، ودخول النساء إلى سوق الشغل(العمل)، وبالتّالي تُطرح علينا كنواب شعب واجب مسايرة القوانين مع الواقع الجديد”.
وحول مصير المقترح حاليا، قالت “الحمروني” إنه الآن في “مكتب الضبط” بالمجلس، وبانتظار أن تتم إحالته إلى “لجنة الحريات” قبل أن تتم مناقشته في جلسة عامة، وإقراره خلالها أو رفضه، وقد يكون ذلك بعد قرابة أربعة أشهر.
ووفق آخر إحصاء للسكان في تونس، والذي تم إجراؤه في عام 2014، بلغ عدد النساء في البلاد، نحو 5 ملايين و510 آلاف نسمة من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 10 ملايين و982 ألف نسمة؛ أي أن نسبة النساء تمثل 50.2% من سكان تونس.
ولا تعدّ المطالب بمساواة المرأة والرجل في الإرث جديدة بتونس؛ إذ تنادي مجموعة من الحركات النسائية بهذا المطلب منذ سنوات عديدة، وقد سبق لـ”جمعية النساء الديمقراطيات التونسية”(جمعية مدينة يسارية التوجه)، بالتعاون مع جمعيات أخرى، أن وجهت عريضة بتعديل قانون الميراث بحكم أن “المرأة التونسية شريك فاعل ومباشر في مداخيل الأسرة وكل المسؤوليات الأخرى”.
ولم يصدر موقف عن الحكومات التونسية المتعاقبة منذ ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 إلى الآن على هذا المطلب.