تشارك تونس في الخامس عشر من شهر ماي المجموعة الدوليّة احتفالها باليوم العالمي للأسرة الذي اختارت له منظمة الأمم المتحّدة هذه السنة شعار "الأسر وتغير المناخ". وهي مناسبة لتأكيد الاهتمام المخصوص الذي توليه تونس اليوم لمؤسسة الأسرة في خطابها السياسي وبرامجها الاقتصادية والتنموية حيث إن مبدأ مركزية الأسرة ومقاربتها وفق وعي يعمل على استرجاعها لمكانتها المركزية و ضرورة دعم قدراتها وأدوارها في بناء مجتمع متماسك قويّ وفاعل ومتوازن إضافة إلى تبوأتها مركز المشروع التنموي ..إنما يعكس أن المصلحة الفضلى للأسرة التونسية هي الهدف ومؤشر قياس الفعاليّة والجدوى لكل البرامج والمشاريع.
ويمثّل اختيار هذا الشعار اعترافا بأهميّة دور الأسرة في نقل القيم عبر الأجيال ومساهمتها الأساسيّة في غرس العادات والسلوكيات البيئيّة المستدامة لدى الناشئة منذ مرحلة الطفولة المبكّرة وترسيخ الوعي المناخي الجمعيّ وامتلاك المقدرة على قيادة التحول إلى الاقتصاد الدائري والتوقّي من التداعيات السلبيّة للتغيّرات المناخيّة على الأفراد وعلى الدول.
وإنّ بلادنا التي نصّ دستورها على أنّ الأسرة "هي الخليّة الأساسيّة للمجتمع وعلى الدولة حمايتها" تعمل، بحرص مبدئيّ ثابت من سيادة رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد، على تكريس الدور الاجتماعي للدولة في النهوض بقدرات الأسرة المتماسكة وجعلها محور عمليّة الإصلاح الاجتماعي والتنموي من خلال مقاربة متعدّدة الأبعاد لتعزيز آليّات تمكين جميع أفراد الأسرة، أطفالا ونساء ورجالا وكبار سنّ، وتقوية صمودهم أمام ما تواجهه تونس كجميع بلدان العالم من تحديّات متعدّدة الأوجه وتغيّرات ورهانات ناشئة ومستجدّة.
وقد باردت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ منذ 2021 بانتهاج مقاربة وطنيّة جديدة تراهن على وضع استراتيجيات وتنفيذ خطط وبرامج عمليّة ميدانيّة وفاعلة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي لكلّ فرد من أفراد الأسرة باعتبار أنّ تمكين الفرد هو تمكين للأسرة مجتمعة وتمكين الأسرة ليس إلّا وجها من أوجه تمكين أفرادها وتكريس حقوقهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة وضمان العيش الكريم بقاءً ونماءً ورفاهً لفائدتهم في إطار المساواة وتكافؤ الفرص.
وقد حرصت الدولة على التّرفيع في الاعتمادات المخصّصة لمهمّة وزارة الأسرة التي شهدت تطوّرا سنة 2024 مقارنة بسنة 2021 بنسبة 26.99%، كما تطوّرت الميزانيّة المخصصّة للأسرة في قسميْ الاستثمار والتّدخّلات بنسبة 62.26%، وهو إنجاز يحدث لأوّل مرّة منذ تاريخ إحداث الوزارة، ولأوّل مرّة أيضا يحقّق مؤشّر إنجاز البرامج لفائدة الأسرة نسبة إنجاز بلغت المائة بالمائة.
وتمّ الشروع في إعداد استراتيجيّة وطنيّة جديدة لنهوض بالأسرة في أفق 2035 ستعزّز مركزيّة النواة الأسريّة في مشروع تونس المجتمعيّ في انسجام وترابط مع سائر الاستراتيجيات القطاعيّة الوطنيّة الأخرى على غرار الاستراتيجية الوطنية لمقاومة العنف ضدّ المرأة والاستراتيجية الوطنية متعددة القطاعات للطفولة المبكرة والاستراتيجية الوطنية لكبار السنّ، وتسعى الوزارة أيضا إلى رفع الوعي لدى الأسر وتعزيز أدوارها لمجابهة التّغيّرات المجتمعيّة وهي الآن بصدد بلورة تشريعات ستحسّن من واقع الأسرة وتعزّز استقرارها وذلك من خلال إعداد إطار قانوني جديد لنظام عطل الأمومة والأبوة إلى جانب صياغة مشروع قانون أساسي يتعلّق بحقوق كبار السّن.
ويمكن بيان أبرز برامج التمكين الاجتماعي والاقتصادي التي تنفذها الوزارة دعما لقدرات الأسر التونسيّة وحمايتها من الهشاشة الاقتصادية وظاهرة الانقطاع عن الدراسة والعنف كما يلي :
- برنامج التمكين الاقتصادي للأسر ذات الوضعيّات الخاصّة الذي شهد نقلة هامّة منذ 2022 وبلغ مؤشر إنجازه المئة بالمئة حيث إن باحتساب الأسر التي ستنتفع بمشاريع موارد رزق اليوم بمناسبة اليوم العالمي للأسرة تكون قرابة 2000 أسرة تونسية بحاجة إلى الدعم وتعزيز صمودها الاقتصادي.
- برنامج التمكين الاقتصادي لأمهات التلاميذ المهددين بالانقطاع المدرسي الذي مكّن 1098 أمّا من موارد رزق ساهمت في نجاة ما يقارب 4438 تلميذا من التسرّب المدرسي.
- البرنامج الوطني للتّمكين الاقتصادي للنّساء ضحايا العنف والمهدّدات به "صامدة"، وهو برنامج فريد من نوعه عربيّا، أطلقته الوزارة تنفيذا لمقتضيات القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة، وانتفعت في إطاره 93 ناجية من العنف بموارد رزق بمختلف ولايات الجمهورية .
- البرنامج النموذجي الجديد للتمكين الاقتصادي للعاملات في القطاع الفلاحي الذي مكّن من إحداث 75 مورد رزق خلال سنة 2023 ، كدفعة أولى بولايتي سيدي بوزيد والقيروان والانطلاق في تعميم التجربة بصفة تدريجيّة بإضافة ولاية القصرين وتحديدا حاسي الفريد وقد تم مضاعفة اعتمادات البرنامج خمس مرات في قانون المالية 2024.
- البرنامج الوطني لريادة الأعمال النّسائيّة والاستثمار "رائدات " الذي ساهم في دعم استقرار الأسر من الناحية الاقتصادية حيث تمّ في إطاره تمويل 3679 مشروع نسائيّ منذ انطلاقه في أوت 2022 وتوفير ما يقارب 5605 موطن شغل مباشر.
- برنامج التمكين الاجتماعي للأسر الذي يهدف إلى الإحاطة بأفراد الأسرة ويعمل على التوعية والتحسيس وتطوير قدرات الأسرة التونسية قصد القيام بوظائفها والتصدي لمختلف الظواهر الاجتماعية السلبية التي تمسّ من توازنها. ويركز البرنامج على ظواهر العنف الأسري وكيفية التوقي من تعاطي المخدرات ومخاطر الأنترنات على الأطفال ..وبلغ عدد الأسر المستفيدة من خدمات هذا البرنامج منذ انطلاقه سنة 2019 وإلى موفى سنة 2023 حوالي 71 ألف أسرة بـــــ 180معتمدية ينتمون إلى 18 ولاية.
- انتفاع حوالي 25 ألف أسرة بخدمات مراكز الإرشاد والتوجيه الأسري المحدثة بكل من حي التضامن بولاية أريانة، غار الدماء بولاية جندوبة وتطاوين منها قرابة 4000 أسرة سنة 2023، وقرابة 1780 أسرة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024 .وتعمل الوزارة حاليا على احداث مركزين جديدين للإرشاد والتوجيه الأسري بكل من ولايتي تونس وبن عروس.
- شروع الوزارة في إحداث فضاءات نموذجيّة للأسرة بكلّ من جلمة (السلاطنية ) بسيدي بوزيد، والمطوية بولاية قابس، والسّواسي بولاية المهدية في إطار الحرص على النهوض بالأسرة وتمكين مختلف أفرادها وخاصة بالمناطق الداخلية من خدمات تستجيب لمشاغلهم ضمن فضاءات ترفيهية لفائدة الأسر.
- دعم تكافؤ الفرص بين الأسر التونسية في مجال النفاذ إلى خدمات التربية ما قبل المدرسيّة من خلال تكفّل برنامج "روضتنا في حومتنا" بمعاليم تسجيل أكثر من 22300 من أطفال الأسر محدودة الدخل برياض الأطفال الخاصة إلى جانب بعث برنامج رياض الأطفال العمومية لتحسين نسبة التغطية بخدمات الطفولة المبكرة لفائدة الأسر بالمناطق ذات الأولوية بأسعار تراعي مقدرة تلك الأسر، وتم افتتاح 45 روضة عمومية أكثر من نصف طاقة استيعابها مجّانا لأبناء الأسر محدودة الدخل وذات الوضعيّة الخاصة.
- بعث برنامج دعم قدرات الأولياء ومرافقتهم للتعهّد بأبنائهم ذوي اضطرابات التعلّم وإحداث دفعة أولى من خمسة وحدات للتعهد بالأولياء وأبنائهم ذوي اضطرابات التعلم بولايات القيروان ومدنين وأريانة وجندوبة وباجة. ويستهدف البرنامج مرافقة 1000 ولي في مجال اضطرابات التعلم والتعهد بـحوالي 400 طفل سنويا بكل وحدة اضافة الى تكوين حوالي 300 اطار تربوي وطبي وشبه طبي بكل ولاية معنية بالتدخل.
- إطلاق برنامج دمج الأطفال ذوي طيف التوحد بمؤسسات الطفولة المبكرة وإقرار دعم خصوصيّ للأسر المعنيّة بهذا البرنامج الذي يستفيد منه حاليا أكثر من 600 طفل وسيشمل ألف طفل سنة 2025.
- تدخّل برنامج الإيداع العائلي للأطفال فاقدي السند لدعم الأسر حتّى تسترجع مهامها الطبيعية في تنشئة ورعاية أبنائها من خلال منحة شهرية بقيمة 200 دينارا وتأمين المرافقة والمتابعة لوضعيات الأطفال داخل أسرهم من خلال الإطارات التربوية الراجعة بالنظر للوزارة والأخصائيين النفسانيين.
- توفير اعتمادات تفوق 13 مليون دينار سنة 2024 لرعاية الأطفال فاقدي السند ومساندة الأسر محدودة الدخل أو التي تعرف وضعيات هشاشة في العناية بأبنائها من خلال رعاية حوالي 7 الاف طفل والتكفل بحاجياتهم المدرسيّة والمعيشيّة بنظام الوسط الطبيعي بمركبات الطفولة والمراكز المندمجة.
- مساندة الأسر لرعاية كبار السنّ من خلال الترفيع في عدد الفرق المتنقلة المكلّفة بتقديم الخدمات الاجتماعية والصحية لكبار السن بالبيت من 25 سنة 2022 إلى 40 فريقا متنقلا حاليا و 50 فريقا مع موفى سنة 2024. ويبلغ عدد كبار السنّ المتعهد بهم داخل أسرهم 4000 سنة 2024.
- تدخّل برنامج الإيداع العائلي لكبار السنّ لمزيد تشجيع الأسر على كفالة مسنين معوزين، حيث تسند الدولة منحة مالية للأسرة الكافلة تم الترفيع في قيمتها مطلع سنة 2023 من 200 د إلى 350 د شهريا، ليرتفع بذلك عدد كبار السنّ المكفولين من 148 مسنا ومسنة سنة 2022 إلى 368 مسنا ومسنة (84 % منهم نساء) مكفولين لدى 352 أسرة أغلبها من أقارب المسنين المكفولين إلى حدود شهر ماي 2024.
- وضعت الوزارة 3 خطوط للتبليغ عن حالات التهديد التي قد تطال أفراد الأسرة وهي الخط 1809 لفائدة الأطفال وأوليائهم الذي تقبّل 3885 إشعارا 2832 منها تتعلّق بالأطفال إضافة إلى الخط 1833المتعلّق بالتبليغ على كلّ ما يهمّ حالات تهديد كبار السّن وتلقّى منذ جوان 2023 إلى غاية جانفي 2024 أكثر من 124 حالة، علاوة على الخطّ الموجّه للتبليغ على حالات العنف المسلّط على النّساء والفتيات 1899 الذي تلقى منذ انطلاق العمل به أكثر من 12 ألف مكالمة.
- الشروع في إعداد خطّة اتصالية جديدة للأسرة بالاستناد إلى استراتيجية متكاملة و الاستعداد لإطلاق منصّة رقميّة للأسرة وإنتاج سلسلة من الومضات التحسيسية والتوعوية والدعائم الاتصالية في المجالات المتصلة بدعم وظائف الأسرة في التوقي من المخاطر المستجدة المحيطة بالطفل والمرأة وكبار السنّ والتعريف ببرامج التمكين الاقتصادي للأسر.