اختر لغتك

عبء مادي وتحدي تربوي في تونس: تساؤلات حول مستقبل التعليم في ظل تزايد الاعتماد على الدروس الخصوصية

عبء مادي وتحدي تربوي في تونس: تساؤلات حول مستقبل التعليم في ظل تزايد الاعتماد على الدروس الخصوصية

عبء مادي وتحدي تربوي في تونس: تساؤلات حول مستقبل التعليم في ظل تزايد الاعتماد على الدروس الخصوصية

بينما يتسارع الانتقال إلى المستقبل في العالم بأسره، تظل بعض الظواهر التربوية في تونس عائقًا حقيقيًا أمام تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية. من بين هذه الظواهر، تبرز الدروس الخصوصية كأزمة مستفحلة تطرح تساؤلات عميقة حول استدامة النظام التعليمي في تونس. في الوقت الذي تتسابق فيه الدول لتطوير أنظمة تعليمية قادرة على التكيف مع تحديات العصر، تقف الدروس الخصوصية في تونس كظاهرة تطال جيوب الأسر وتحمل على عاتقها تبعات اقتصادية اجتماعية خطيرة.

مقالات ذات صلة:

وزارة التربية تُحاصر ظاهرة الدروس الخصوصية: إجراءات مشددة وأبعاد تربوية واجتماعية عميقة

تحت الضغط: تأثيرات فرض الدروس الخصوصية على الطلاب والأهالي

تونس تُعلن تسعيرة جديدة للدروس الخصوصية في المدارس العمومية: تحسين للمعلمين أم عبء على الأهالي؟

أرقام صادمة: تكاليف غير محتملة على الأسر التونسية

في تطور لافت، كشف رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، عن أرقام مقلقة حول تكاليف الدروس الخصوصية في تونس. فقد أوضح في تصريح له على قناة "صباح الناس" يوم الأربعاء 13 نوفمبر 2024، أن تكلفة التلميذ في المرحلة الابتدائية تتراوح بين 250 و300 دينار شهريًا طوال السنة الدراسية. وهو ما يعادل ربع أو أكثر من دخل بعض الأسر التونسية، ما يثير تساؤلات حول القدرة المالية للأسر في تحمل هذه التكاليف.

تشير الأرقام أيضًا إلى أن ما يقارب 67% من تلاميذ المرحلة الابتدائية، أي حوالي 1 مليون و576 ألف تلميذ من أصل 2 مليون و356 ألف تلميذ، يتلقون دروسًا خصوصية في ثلاثة مواد على الأقل، وهو ما يعكس تفشي هذه الظاهرة في غالبية الأسر التونسية. كما أظهرت الدراسة أن 51% من هذه الدروس الخصوصية يتم تقديمها من قبل نفس المعلم الذي يدرس التلميذ في المدرسة. وهو ما يطرح تساؤلات حول الأخلاقيات المهنية ومدى تأثير هذه الظاهرة على سير العملية التربوية.

ارتفاع الأسعار: ما أسباب الزيادة؟

الظاهرة لا تقتصر على التوسع المطرد في عدد التلاميذ الذين يتلقون هذه الدروس، بل شملت أيضًا ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار. إذ أفاد لطفي الرياحي بأن أسعار الدروس الخصوصية ارتفعت بنسبة 20% مقارنة بالسنة الماضية. وهو ما يفاقم الوضع بالنسبة للأسر التي تجد نفسها في مواجهة هذا العبء المالي المتزايد. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا ارتفعت تكاليف الدروس الخصوصية؟ هل هي انعكاس لارتفاع أسعار المواد التعليمية؟ أم أنها نتيجة لفقدان الثقة في المنظومة التعليمية الرسمية؟

الإجابة قد تكون معقدة، ولكن إحدى الأسباب الأساسية تكمن في عجز المدرسة العمومية عن تقديم تعليم عالي الجودة بسبب نقص الإمكانيات والتجهيزات وعدم كفاية الموارد البشرية. وهذا ما دفع العديد من الأسر إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية التي باتت تمثل البديل الأساسي لتحقيق النجاح الأكاديمي لأبنائهم.

وزارة التربية: قرارات لتحجيم الظاهرة

في مواجهة هذا الواقع، تبذل وزارة التربية التونسية جهودًا كبيرة للحد من انتشار الدروس الخصوصية، حيث أكدت في بلاغ رسمي على تحجير تقديم المدرّسين في المؤسسات التربوية العمومية الدروس الخصوصية خارج فضاء هذه المؤسسات. هذا القرار يهدف إلى مكافحة ظاهرة الدروس الخصوصية التي أصبحت تجذب اهتمامًا واسعًا من قبل مختلف شرائح المجتمع، وتكلف الأسر التونسية أعباء مالية لا يمكن تحمّلها.

رغم هذه القرارات، يظل السؤال الأهم: هل ستنجح الوزارة في تطبيق هذا التحجير؟ وهل ستستطيع التغلب على الفساد التربوي الذي يشمل المدرّسين الذين يقدمون الدروس الخصوصية بشكل غير قانوني؟ إن تطبيق هذه القرارات يتطلب دعمًا جماعيًا من مختلف الأطراف المعنية، سواء من المعلمين أو الأسر أو الجهات الحكومية، وإلا سيظل تحجيم هذه الظاهرة مجرد حبر على ورق.

التحديات الاجتماعية: دروس الخصوصية أم تسرب من التعليم؟

من جهة أخرى، لا تقتصر أزمة الدروس الخصوصية على تكاليفها المادية فحسب، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بظاهرة التسرب الدراسي. فقد أشار لطفي الرياحي إلى أن بين 60 و70 ألف تلميذ يغادرون مقاعد الدراسة في سن مبكرة، أي بين 14 و15 سنة سنويًا. هذه الأرقام تشير إلى أن عدم قدرة الأسر على تحمل تكاليف التعليم، بالإضافة إلى ضعف النظام التعليمي الرسمي، يساهمان بشكل كبير في دفع التلاميذ إلى مغادرة المدرسة.

يظل الحل في يد الحكومة ووزارة التربية عبر تحسين مستوى التعليم العمومي، وضمان التعليم المجاني والعادل لجميع فئات المجتمع. هذا يتطلب، بالضرورة، إصلاحات جذرية في المنظومة التعليمية وخلق آليات حقيقية لمكافحة ظاهرة الدروس الخصوصية.

 هل نحن على أعتاب إصلاح تربوي شامل؟

في الختام، الدروس الخصوصية لا تزال تمثل مشكلة كبيرة في تونس، بين العبء المادي للأسرة والتحديات الاجتماعية الكبرى، لكن تبقى إصلاحات النظام التعليمي وتوفير تعليم ذو جودة هو الحل الجذري لمواجهة هذه الظاهرة. فإذا استمرت هذه الظاهرة في التفشي، فإنها ستؤثر على مستقبل التعليم في البلاد، وقد تقود إلى تقسيم المجتمع إلى فئات تربوية متباينة، حيث سيظل أبناء الأسر الفقيرة محرومين من فرص التعليم الجيد.

تظل الإجابة على هذا التحدي في يد الحكومة، ولكنها تحتاج إلى رؤية استراتيجية قائمة على العدالة الاجتماعية وإصلاح حقيقي للنظام التعليمي في تونس.

آخر الأخبار

أيام تحسيسية مشتركة لدعم انتقال المجامع التنموية النسائية إلى شركات أهلية

أيام تحسيسية مشتركة لدعم انتقال المجامع التنموية النسائية إلى شركات أهلية

حين يلتقي النقيضان: أطول امرأة في العالم وأقصرهن يتقاسمان لحظة لا تُنسى!

حين يلتقي النقيضان: أطول امرأة في العالم وأقصرهن يتقاسمان لحظة لا تُنسى!

السينما التونسية تتألق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2024

السينما التونسية تتألق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2024

المنتدى السادس والعشرين لحقائق: السياحة في  المتوسط محور جدل أهل المهنة في الحمامات 

المنتدى السادس والعشرين لحقائق: السياحة في  المتوسط محور جدل أهل المهنة في الحمامات 

نابولي: الأطفال بين السلاح والعنف.. أزمة تهدد جيلًا كاملًا

نابولي: الأطفال بين السلاح والعنف.. أزمة تهدد جيلًا كاملًا

Please publish modules in offcanvas position.