في واقع يعكس تحديات عميقة تواجه المنظومة التربوية والاجتماعية، كشفت فاتن مطوسي، رئيسة الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بإدارة الشرطة العدلية، عن أرقام مقلقة تشير إلى ارتفاع ملحوظ في قضايا العنف المرتبطة بالفضاءات المدرسية. هذه الأرقام تسلّط الضوء على أزمة لا تهدد فقط المناخ التعليمي، بل تمتد لتطال البنية الاجتماعية والنفسية للمجتمع.
مقالات ذات صلة:
نابولي: الأطفال بين السلاح والعنف.. أزمة تهدد جيلًا كاملًا
حماية الطفولة في العصر الرقمي: إطلاق الخطة الوطنية لمكافحة العنف الرقمي ضد الأطفال
تقرير صادم: العنف يواصل تصاعده في تونس وأحداث الانتحار تعود للواجهة
العنف المدرسي في أرقام: دلالات أعمق
وفق الإحصائيات، ارتفعت قضايا العنف داخل المؤسسات التربوية أو في محيطها من 1947 قضية سنة 2021 إلى 2231 قضية سنة 2023. وكانت هذه القضايا ضحيتها الأطفال، إما كتلاميذ أو كضحايا داخل الفضاءات المدرسية. كما تورط أطفال تقل أعمارهم عن 18 سنة في 1446 قضية سنة 2021، مقابل 1400 قضية سنة 2023.
ويعكس توزّع أشكال العنف ظواهر اجتماعية متشابكة:
* 69% عنف مادي: تجسيد ملموس للتوترات الحادة.
* 28% عنف معنوي: يشير إلى تصاعد حدة التنمر والعنف اللفظي.
* 3% عنف جنسي: يكشف عن اختلالات خطيرة في القيم والبيئة المدرسية.
أما التوزيع حسب الفاعلين، فيشير إلى أن التلاميذ يشكلون نسبة 63% من المورطين، بينما يحتل الأساتذة أدنى نسبة بـ1%، ما يضع التحدي الأكبر على عاتق الفضاء التربوي ككل.
جذور الأزمة: بين العائلة والمجتمع
تواتر الاعتداءات العنيفة داخل المدارس، سواء بين التلاميذ أنفسهم أو ضد الإطار التربوي، يعكس أزمة أعمق تمتد جذورها إلى:
1. تفكك دور الأسرة: ضعف الحوار داخل العائلة وغياب الرقابة التربوية الفعّالة.
2. ضغط اجتماعي واقتصادي: ظروف معيشية صعبة تساهم في تأجيج التوتر.
3. قصور التوعية والقيم: محدودية البرامج الموجهة لغرس القيم الأخلاقية والاجتماعية.
خطة وطنية: خطوة أولى في مسار طويل
استجابةً لهذا الواقع، أعلنت وزارة التربية عن خطة وطنية لمواجهة العنف المدرسي تهدف إلى إرساء مناخ تربوي يعزز الانتماء والمسؤولية. تتضمن الخطة:
1. استثمار المواد التربوية: تكوين التلميذ معرفيًا وقيميًا لمجابهة العنف وتجذير قيم المواطنة.
2. تنسيق متعدد الأطراف: إشراك الوزارات والهيئات ذات الصلة لإطلاق برنامج وطني شامل.
3. حملات تحسيسية: تعزيز الوعي بمخاطر العنف وآثاره النفسية والاجتماعية.
العنف المدرسي: مسؤولية مجتمعية شاملة
التعامل مع العنف في الوسط المدرسي يتطلب تجاوز الحلول السطحية إلى تبني استراتيجيات مستدامة تمزج بين الوقاية والعلاج. هذا يستوجب تعزيز الحوار بين الأسرة والمدرسة، تطوير المناهج التعليمية لتكون أكثر شمولية، وضمان وجود سياسات واضحة لحماية التلاميذ والإطار التربوي.
في النهاية، العنف المدرسي ليس مجرد أرقام تصدمنا، بل هو ناقوس خطر يدعو المجتمع بكل مكوناته إلى وقفة جادة لإعادة بناء قيم التسامح والاحترام، وضمان بيئة تعليمية آمنة تمهّد لجيل قادر على قيادة مستقبل أفضل.