مع اقتراب الذكرى السنوية لعيد الثورة التونسية في 17 ديسمبر، تطرح عديد الأسئلة حول مدى تقدمنا في تحقيق أهداف الثورة، تلك الثورة التي كانت طموحاتها واضحة ألا وهي الحرية، الكرامة، والعدالة الاجتماعية؛ ولكن كما أظهرت التجربة التاريخية، لا يمكن لهذه الأهداف أن تتحقق دون إفساح المجال للنساء والشباب ليكونوا جزءا من الحل، لا مجرد متفرجين أو ضحايا للنظام السياسي والاجتماعي.
مقالات ذات صلة:
تونس على أعتاب ثورة ثقافية جديدة: ملامح مشروع وطني للنهوض بالثقافة
قرطاج تحتفل بكتاب جديد عن الثورة التونسية
عودة رئيس الجمهورية قيس سعيّد من الجزائر بعد مشاركته في الذكرى السبعين لثورة التحرير الجزائرية
على الرغم من الحضور البارز للنساء والشباب في الاحتجاجات التي أشعلت الثورة، إلا أن مشاركتهم في صنع القرار بعد الثورة كانت محدودة، فالنساء اللاتي وقفن في الصفوف الأمامية للمطالبة بالحرية والمساواة، ما زلن يعانين من التمييز الهيكلي، والشباب الذين كان صوتهم مدويا في الشوارع، يجدون أنفسهم اليوم في مواجهة تهميش مزدوج اقتصادي وسياسي.
هذا التهميش ليس مجرد نتيجة لسياسات فاشلة قبل و بعد 2011، بل هو انعكاس لبنية اجتماعية وثقافية تفتقر إلى رؤية شاملة لتمكين هذه الفئات، وهنا تكمن المعضلة الاكبر كيف يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية إذا كان نصف المجتمع من النساء وأكثر من ثلثه من الشباب خارج إطار إطار التأثير؟
التمكين ليس مجرد مفهوم نظري أو شعار يرفع في المناسبات، إنه عملية إعادة توزيع للسلطة والموارد، بحيث يتمكن الجميع من المشاركة في بناء مستقبل مشترك، فالنساء مثلا بحاجة إلى سياسات تحررهن من قيود التقاليد التي تعيق مشاركتهن في المجال العام، بدءا من الحق في العمل بكرامة إلى الوصول إلى مواقع صنع القرار؛ وبالنسبة للشباب فإن تمكينهم يتطلب إصلاحا جذريا للنظام التعليمي وسوق العمل، بالإضافة إلى خلق مناخ سياسي يشجعهم على الانخراط الفعلي.
إن أي تحليل للوضع الراهن يكشف عن فجوة بين الشعارات الثورية والواقع، فبدلا من تكريس قيم الثورة في المؤسسات والسياسات، يبدو أننا نسير في اتجاه يعيد إنتاج نفس النخب القديمة، وإن بأقنعة جديدة، وبدلا من تمكين النساء والشباب، يتم استغلالهما في الخطابات الدعائية دون منحهم أدوات التغيير الحقيقية.
هذا التناقض يظهر أزمة عميقة في الفهم السياسي، فالثورة ليست مجرد تغيير للوجوه، بل هي إعادة تعريف للأولويات والقيم، وإذا كانت النساء والشباب يظلون خارج الحسابات، فإننا نكون قد فرطنا في أهم مكاسب الثورة وهو الحلم بمستقبل أفضل للجميع.
لذا لحل هذه المعضلة، نحن بحاجة إلى إعادة صياغة العقد الاجتماعي بطريقة تعترف بالدور المحوري للنساء والشباب، حيث يتطلب هذا أولا وقبل كل شيء تغييرا في العقلية الجماعية، فعلينا أن ندرك أن التمكين ليس تنازلا، بل استثمار في استقرار المجتمع وازدهاره.
فمن الناحية الاقتصادية، يشكل إدماج النساء والشباب في سوق العمل محركا أساسيا للنمو؛ ومن الناحية السياسية، يمنحهم التمكين فرصة ليكونوا أصحاب مصلحة حقيقيين في إدارة الشأن العام؛ أما اجتماعيا، فإن إشراكهم يخلق مجتمعا أكثر عدلا وتوازنا.
في الختام، أعيد التذكير بأن الثورة ليست لحظة عابرة في التاريخ، بل هي مسار طويل يتطلب نضالا مستمرا لتحقيق أهدافه، ومع اقتراب 17 ديسمبر، علينا أن نتساءل هل نحن مستعدون لمواجهة التحديات الحقيقية؟ وهل نمتلك الشجاعة السياسية لإعطاء النساء والشباب المكانة التي يستحقونها؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد ما إذا كنا قادرين على تحقيق أهداف الثورة، أو أننا سنبقى أسرى لوعود غير منجزة.