في عام 2024، تقف تونس أمام مفترق طرق حاسم بسبب أزمة المهاجرين الأفارقة الذين بات وجودهم يفرض تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية متصاعدة، ورغم المحاولات المتكررة لمعالجة هذه الظاهرة، يظل السؤال الجوهري حاضرا هل بإمكان تونس استعادة سيادتها الوطنية ومعالجة تداعيات هذه الأزمة بما يحفظ مصالحها ويضمن استقرارها؟
مقالات ذات صلة:
توافد المهاجرين الأفارقة خلق وضعًا معقدًا في صفاقس ويدعو إلى تدخل عاجل
هروب وتخريب: المهاجرون الأفارقة يثيرن الجدل والقلق في باجة
لطالما شكلت تونس عبر التاريخ جسرا بين شمال القارة وجنوبها، إلا أن ما كان ينظر إليه كميزة استراتيجية تحول اليوم إلى مصدر إرباك وضغط، فقد جعلت السياسات الأوروبية تونس حارسا لحدودها الجنوبية، في ظل اتفاقيات غير متوازنة دفعت البلاد إلى استقبال موجات من المهاجرين الأفارقة، دون تقديم الدعم الكافي لإدارة هذه الأعداد المتزايدة، ومع غياب استراتيجية وطنية واضحة للتعامل مع الظاهرة، وجدت تونس نفسها في مواجهة مباشرة مع أزمة متعددة الأبعاد.
لا يمكن إنكار الأضرار التي ترتبت على هذا الوضع، فالتدفق المستمر للمهاجرين أدى إلى ضغط كبير على المرافق العامة والبنية التحتية، خاصة في المدن الكبرى، حيث باتت المستشفيات والمدارس والمواصلات تعاني من حالة اكتظاظ غير مسبوقة؛ إضافة إلى ذلك، أصبح سوق العمل مسرحا لتنافس غير متكافئ، حيث تستغل العمالة المهاجرة الهشة الفراغ القانوني لتقبل أجورا زهيدة، ما انعكس سلبا على فرص التونسيين في الحصول على وظائف لائقة.
لكن المشكلة لا تقف عند الجانب الاقتصادي فقط؛ فالأزمة أفرزت توترات اجتماعية وثقافية، حيث أدى غياب سياسات الإدماج المؤقتة إلى تصاعد الاحتقان الشعبي، الذي غذته خطابات شعبوية من البعض تسعى لتوظيف الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة؛ ومع ذلك، يجب أن يكون واضحا أن حل هذه القضية لا يكمن في اللجوء إلى شعارات جوفاء أو إجراءات ارتجالية، بل في وضع رؤية وطنية متكاملة تركز على استعادة السيطرة وضمان السيادة.
اذ ان إخراج المهاجرين الأفارقة من تونس بطريقة منظمة وعادلة يتطلب اتخاذ مجموعة من الإجراءات العاجلة؛ أولا يجب تفعيل القوانين الوطنية التي تتيح طرد وترحيل المهاجرين غير القانونيين، مع مراعاة احترام الكرامة الإنسانية خلال عملية الإعادة؛ وثانيا لابد من تعزيز الرقابة الحدودية بشكل أكثر فاعلية، سواء عبر الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة أو من خلال تكثيف التعاون الإقليمي لمكافحة شبكات التهريب والهجرة غير الشرعية.
وعلى الصعيد الدولي، يتعين على تونس إعادة النظر في الاتفاقيات التي تربطها بالاتحاد الأوروبي، فلا يمكن أن تستمر هذه الاتفاقيات في تحميل تونس أعباء تفوق قدراتها، بينما تتجاهل أوروبا مسؤولياتها في مواجهة هذه الظاهرة، لذا لابد من إعادة التفاوض لمد البلاد بتعوضات على الخسائر التى لاحقت بها مشروطة اساسا بالحصول على دعم مالي وتقني حقيقي يمكن البلاد من إدارة تداعيات الأزمة بفاعلية.
إلى جانب ذلك، لا بد من إطلاق حملات توعوية وطنية تعزز من إدراك المواطنين لحجم التحديات التي تفرضها الهجرة غير النظامية، وتشدد على أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار الوطنيين، هذه الحملات يمكن أن تكون مدخلا لتوحيد الجهود الشعبية والرسمية في مواجهة الظاهرة بدلا من تركها فريسة للانقسامات والتجاذبات السياسية.
في النهاية، تبقى أزمة المهاجرين الأفارقة اختبارا حقيقيا لقدرة تونس على حماية سيادتها وإدارة أزماتها الداخلية بوعي ومسؤولية، والخطوات الحازمة والمنظمة لإخراجهم ليست فقط ضرورة لحماية الاقتصاد والأمن، بل هي أيضا استعادة لمكانة الدولة وفرض هيبتها في مواجهة التحديات؛ فتونس قادرة إن تحلت بالإرادة السياسية والرؤية الواضحة، على تجاوز هذه الأزمة وتحقيق الاستقرار الذي تطمح إليه شعبا ودولة.