مثلت الحصون والقلاع في تونس دورا تاريخيًا مهمًا عبر العصور فكانت رمزا لمناعة وصلابة الحضارات التي تعاقبت على البلاد التونسية واغلبها شهد انتصارات وملاحم ضد الأعداء القادمين من البحر وتعاقب حملاتهم. وتونس بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي ولكونها بوابة إفريقيا من ناحية الشمال ومدخل المغرب العربي من ناحية الشرق ولاعتدال مناخها وخصوبة أراضيها فقد مثلت هدفا للإمبراطوريات المتعاقبة، ولا تكاد تخلو مدينة تاريخية في الساحل التونسي من حصن أو قلعة ومن أبرز هذه المعالم ما يوجد في مدن «جربة وسوسة والمنستير والحمامات وصفاقس وقابس وتونس وبنزرت وطبرقة » وغيرها. ومن أبرز هذه القلاع قلعة «طبرقة» التي تغيرت ملامحها بعد حكم الغزاة القادمين من «جنوة» الإيطالية الذين استوطنوها طوال قرن ونصف القرن، ويعود تاريخ إنشائها الى العهد الفينيقي إذ تقع على هضبة مطلة على البحر الأبيض المتوسط وقد حافظت على طابعها المعماري الأصيل بالرغم أنها شهدت عمليات ترميم كبيرة عبر العصور المتعاقبة عليها.
كما توجد في مدينة الحمامات قلعة «الحمامات» التي تعتبر من أكبر الأبنية في المدينة وتحتوي على غرف للجند والمؤونة لا تزال متماسكة وصلبة مثلها مثل القلاع التي تتوزع هنا وهناك في تونس، وقد شيدت هذه القلعة سنة 893 ميلادي وأدخلت عليها تعديلات سنة 1467م لتصبح سكنا لوالي المدينة، وفي نهاية القرن السادس عشر تم إجراء تحسينات عليها لتواكب التطور الذي شهده اختراع الأسلحة النارية، وفي عهد الاستعمار الفرنسي تم استغلالها كثكنة للجنود الفرنسيين ، وتأخذ قلعة الحمامات شكلا مربعا غير متناسق طول ضلعه 50 مترا.
وفي مدينة «المنستير» أسس العرب المسلمون الفاتحون رباطها (الحصن الحربي) الذي يعد من اهم إنشاءاتهم في عهد الفتوحات الإسلامية في بلاد إفريقية وبلاد المغرب الكبير، وقد أنشئ هذا الحصن سنة 796هـ وتم إدخال تحسينات متواترة عليه ويحتوي على حجرات يتعبد فيها المرابطون مع قيامهم بمهامهم العسكرية.
وفضلا عن دور الحصن العسكري المتمثل في مواجهة الهجمات البيزنطية القادمة من البحر وحماية مدينة القيروان فانه يعمل على استقطاب عدد من العلماء والفقهاء الكبار من مختلف أرجاء الوطن العربي والإسلامي، ويبلغ طول أضلاع الحصن 30 مترا تقريبا وتوجد به ثلاثة أبراج دائرية في مختلف زواياه ويبلغ سمك السور الخارجي مترا وربع المتر.
أما رباط سوسة الذي أنشئ في أواخر القرن الثامن الهجري للدفاع عن الساحل التونسي ضد هجمات الأوروبيين فقد قام الأمير زيادة الله الأول ( الأغلبي) بإضافة تحسينات عليه سنة 821 هـ فهو عبارة عن قلعة تأخذ شكلا مربعا يساوي ضلعه 30 مترا، وقد لعب دورا هاما خلال فترات السلم وذلك من خلال استغلال هذا المعلم من قبل المرابطين القاطنين به والقادمين من مختلف أنحاء البلاد في تعليم القرآن والفقه ومختلف العلوم ، وفي الطابق العلوي لرباط سوسة يوجد أقدم مسجد بمدينة سوسة وهو من اهم المعالم التاريخية التي تعود للعهد الأغلبي لما يتصف به من جمال رغم صغر حجمه.
وعرفت تونس القلاع والحصون خلال الحقبة «القرطاجية» التي تعود الى القرن الثاني قبل الميلاد وخاضت خلالها صراعًا طويلا مع الامبراطورية الرومانية وأنشئت خلال هذه الفترة القلاع والحصون للدفاع عن اهم المراكز التجارية المتوسطية التي أسسها القرطاجيون ضد هجمات القراصنة وزحف روما نحو الجنوب.