يُطرح دائمًا موضوع ضعف المقدرة الشرائية كسبب رئيسي وراء عزوف التونسيين عن التوجه نحو السياحة الداخلية، لكن هل يمكن اختزال المشكلة في هذا العامل فقط؟ أم أن هناك عوامل أخرى تتعلق مباشرة بقطاع السياحة نفسه، وأبرزها الارتفاع المبالغ فيه لأسعار الوحدات الفندقية والخدمات المرتبطة بها؟
مقالات ذات صلة:
صالون السياحة الدولي بتوزر: نقلة نوعية للسياحة التونسية ومشاريع واعدة
السياحة التونسية تتجاوز التوقعات: 10 ملايين سائح في الأفق وتحديات قطاعية تُصقل بالاستثمار والتطوير
المنتدى السادس والعشرين لحقائق: السياحة في المتوسط محور جدل أهل المهنة في الحمامات
الفنادق والأسعار: بين الجودة والتكاليف
الأسعار التي تفرضها العديد من الوحدات الفندقية خلال المواسم السياحية تبدو غير متناسبة مع مستوى الخدمات المقدمة. فبينما يعاني المواطن من تضخم اقتصادي، يجد نفسه أمام تعريفات تتجاوز أحيانًا ما يُقدَّم من جودة وتجربة.
خلال فترات الذروة، مثل شهري يوليو وأغسطس، تصل أسعار الإقامة في بعض الفنادق إلى مستويات تنافس العروض السياحية الخارجية، مما يدفع الكثيرين إلى تفضيل السفر إلى وجهات مثل تركيا أو أوروبا الشرقية حيث تُقدم خدمات بجودة أعلى وأسعار أقل نسبيًا.
السياحة الداخلية: خيارات محدودة وأسعار غير منطقية
السياحة الداخلية في تونس غالبًا ما تُقدم كمنتج موسمي محدود الخيارات، مع ضعف واضح في التنويع أو تخصيص عروض تجذب مختلف الفئات. الأسعار المعلنة تشمل خدمات أساسية فقط، بينما تصبح الأنشطة الترفيهية أو الخدمات الإضافية عبئًا ماليًا آخر على العائلات.
المواطن أم المستثمر: من يتحمل المسؤولية؟
ضعف المقدرة الشرائية هو معطى لا يمكن إنكاره، لكنه ليس العامل الوحيد. العديد من المستثمرين في القطاع السياحي يُركزون على تحقيق أرباح سريعة بدلًا من الاستثمار في تحسين الجودة أو تقديم عروض تفاضلية. الأسعار المشطة ليست نتيجة للتضخم وحده، بل تعكس أيضًا غياب استراتيجية تسعير عادلة تلائم جميع الفئات الاجتماعية.
النماذج العالمية: دروس مستفادة
في العديد من الدول، تُقدم السياحة الداخلية كبديل حقيقي ومغري للمواطنين، عبر حزم متكاملة تتضمن الإقامة، النقل، والأنشطة بأسعار مدروسة. هذه النماذج تعكس اهتمام القطاع الخاص والحكومي على حد سواء بتعزيز السياحة الداخلية باعتبارها دعامة اقتصادية، بدلًا من التركيز فقط على السوق الخارجية.
حلول لتجاوز الأزمة
لحل هذه الإشكالية، لا بد من:
* إعادة تقييم الأسعار: على أصحاب الوحدات الفندقية تقديم تعريفات تناسب الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن التونسي.
* تشجيع العروض المدمجة: يجب على القطاع السياحي توفير حزم تتضمن الإقامة والتنقل والأنشطة بأسعار تنافسية.
* استثمار حكومي في البنية التحتية: تحسين الخدمات العامة المرتبطة بالسياحة الداخلية مثل النقل والطريق العام لتسهيل التنقل بين الجهات.
* تعزيز الوعي: حملات لتشجيع المواطنين على استكشاف المناطق الداخلية بأسعار معقولة.
نحو عدالة سياحية
إذا أراد القطاع السياحي التونسي أن يكون رافعة حقيقية للاقتصاد الوطني، عليه أن يراجع سياساته، بحيث لا يكون المواطن هو الحلقة الأضعف دائمًا. تحقيق التوازن بين الأسعار والمقدرة الشرائية هو المفتاح لتشجيع السياحة الداخلية، وليس العكس.