لطالما كانت السياحة في تونس ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، حيث تمثل قطاعا حيويا يعكس صورة البلاد على الصعيدين المحلي والدولي؛ ومع ذلك، بدأ هذا القطاع الذي كان يعد من بين الأعمدة الرئيسية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، يشهد تراجعا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وتعزى هذه الأزمة إلى مجموعة من العوامل الهيكلية والوظيفية التي تهدد استدامته، لعل أبرزها الانتهاك المستمر للمعايير الصحية والفندقية، فعلى الرغم من وجود قوانين تنظم القطاع السياحي، إلا أن تطبيقها الفعلي على الأرض يظل ضعيفا، مما يكشف عن ضعف كبير في مستوى التنظيم والعدالة.
مقالات ذات صلة:
وزير النقل في زيارة غير معلنة لمطاري النفيضة والمنستير: استعدادات مكثفة لموسمي العمرة والسياحة
لقاء تونسي-عماني يعزز التعاون الثقافي: خبرات جديدة لتراث أغنى وسياحة أبهى
السياحة الجبلية رافد للتنمية: ملتقى الاقتصاد التضامني والاجتماعي بطبرقة يُثمن إمكانيات الشباب
إن الفنادق، التي تعد القلب النابض للسياحة التونسية، تشهد تدهورا ملحوظا في معاييرها الصحية.، بدلاً من أن تكون هذه المؤسسات مرآة مشرقة تروج للسياحة التونسية، أصبحت بعض الفنادق أماكن تعكس الفوضى والإهمال، حيث تنتشر المخالفات على نطاق واسع، من سوء تخزين الطعام إلى انعدام النظافة، وصولا إلى حالات التسمم المتكررة، وبالطبع يعد غياب الرقابة الفعالة من قبل الجهات المعنية أحد الأسباب الرئيسية التي تسهم في تفشي هذه المخالفات، ومع وجود تشريعات تنظم هذا القطاع، إلا أن غياب آليات التنفيذ الفعالة يجعل هذه القوانين أقرب إلى حبر على ورق، إذ يتم تجاهلها أو تطبيقها بشكل انتقائي.
إلى جانب غياب الرقابة الفعالة، يعد التساهل في تطبيق القوانين أحد الأسباب الرئيسية التي تعمق هذه الأزمة، فبينما يفترض أن تكون الرقابة على المؤسسات السياحية من أولويات الدولة لضمان حقوق القانطين، سواء كانوا من العاملين أو الزوار، نلاحظ أن هذه الرقابة تغيب في معظم الأحيان أو تكون غير كافية لمواكبة التحديات اليومية؛ وعليه، تظل القوانين ضعيفة أمام الضغوط السياسية والاقتصادية، مما يفتح المجال للمخالفات بأن تصبح أمرًا معتادا، وبالتالي تُهدر حقوق الأفراد العاملين في هذه المؤسسات وكذلك الزوار.
من ناحية أخرى، إن الفساد، الذي يتغلغل في مختلف مستويات النظام الإداري، يزيد من تعقيد الأزمة، ويجعل الحلول المطروحة بعيدة عن النجاح، فحينما تتخذ القرارات السياسية غالبا لحماية مصالح قصيرة الأمد، فإن الأضرار التي تلحق بالقطاع السياحي تتفاقم بشكل تدريجي؛ وبذلك، تفرط سمعة تونس في سوق السياحة الدولية، حيث يفقد السياح الثقة في الوجهة التونسية نتيجة لهذه الممارسات غير المسؤولة.
وعلاوة على ذلك، لا يمكن النظر إلى السياحة كقطاع اقتصادي فقط؛ فهي تعد جزءا من هوية الدولة وأسلوب حياتها؛ من هنا، تبرز الحاجة الماسة إلى احترام حقوق القانطين في هذا القطاع، سواء كانوا من العاملين في الفنادق أو السياح الذين يتوقعون مستوى عالٍ من الجودة والسلامة في الخدمات، فلا يكفي أن نطالب بتطبيق القوانين؛ بل يجب أن يكون هناك التزام راسخ من جميع الأطراف باحترام هذه الحقوق، الأمر الذي يعزز مصداقية القطاع السياحي ويسهم في تحسين الصورة العامة للبلاد.
وعليه، فإن الوضع الحالي يستدعي تدخلا قانونيا حاسما من قبل الدولة، ليس فقط لمواجهة نقص المعايير الصحية، بل أيضا لمواجهة ضعف الإرادة السياسية في تطبيق العدالة، والحلول الحقيقية تكمن في تبني آليات رقابية صارمة، تستند إلى قوانين واضحة وغير قابلة للتفاوض، وتنفذ بشكل فعال عبر هيئات مستقلة تمتلك الصلاحيات اللازمة لمحاسبة المخالفين؛ ومن الضروري أيضا أن يتم تطوير وتحديث النظام الرقابي بما يتماشى مع المعايير الدولية ويعزز من كفاءة الرقابة الداخلية.
في الختام، إن أزمة السياحة في تونس هي أزمة قانونية وإدارية بامتياز، فهي لا تقتصر على غياب الرقابة أو تطبيق القوانين، بل تتعدى ذلك إلى تأثيرات عميقة تمس سمعة الدولة على الصعيد الدولي، ولإعادة إحياء القطاع السياحي وضمان استدامته، لا بد من إصلاح شامل يبدأ من تطبيق القوانين بشكل صارم، ويشمل تحسين البيئة القانونية والإدارية بما يضمن احترام حقوق جميع القانطين، سواء كانوا من العاملين أو السياح.