اختر لغتك

التطوع في تونس.. ركيزة التضامن الوطني ومسار التنمية المستدامة

التطوع في تونس.. ركيزة التضامن الوطني ومسار التنمية المستدامة

التطوع في تونس.. ركيزة التضامن الوطني ومسار التنمية المستدامة

في الخامس من ديسمبر، اليوم العالمي للتطوع تتجلى قيمة المتطوعين باعتبارهم حجر الزاوية في بناء مجتمع متماسك وداعم للتنمية الاجتماعية في تونس حيث لا يقتصر دورهم على تقديم المساعدة العادية لكنه يمتد ليشمل سد الثغرات التي قد تتخلف عنها المؤسسات وتحمل المسؤولية في اللحظات الحرجة مما يعكس التزاما إنسانيا وسياسيا يربط بين المواطنة والمسؤولية المدنية، فعلى سبيل المثال لعب المتطوعون دورا محوريا خلال جائحة كوفيد-19 من دعم المستشفيات والمراكز الصحية إلى توزيع الغذاء على الفئات الأكثر هشاشة وتعليم الأطفال في المناطق النائية وتنظيم حملات نظافة وحماية البيئة، فضلا عن المشاركة في مواجهة كوارث طبيعية مثل فيضانات 2018، مما يؤكد أن التطوع ليس مجرد نشاط فردي بل عنصر فعال في النسق الاجتماعي والدولة المدنية، وتشير بيانات استراتيجية الدولة لتثمين الجمعياتي والعمل التطوعي لعام 2022-2025 إلى أن نحو 75% من المواطنين الذين تزيد أعمارهم عن 14 سنة يمارسون أو يميلون إلى العمل التطوعي أي ما يعادل نحو 7.5 مليون شخص مع تنوع مشاركاتهم بين الحماية المدنية والتعليم والصحة والبيئة، إلا أن تمثيل النساء ما زال محدودا نسبيا وهو ما يستدعي سياسات تستهدف تعزيز مشاركتهن ومشاركة الشباب في المجالات المتنوعة بينما تظل الحاجة قائمة لتطوير آليات دقيقة لرصد ساعات التطوع الفعلية لضمان تقدير حقيقي لحجم الجهود المبذولة.

وعلى الصعيد القانوني، يشكل القانون رقم 26 لسنة 2010 الإطار القانوني الرسمي الذي ينظم العمل التطوعي في تونس حيث يعرف التطوع كـ«عمل جماعي حر يهدف إلى تحقيق المنفعة العامة دون أي مقابل مادي» ويشمل الأعمال المنفذة داخل تونس وخارجها بما في ذلك المبادرات التي تنظمها الجمعيات والمنظمات، كما يضمن القانون حقوق المتطوعين عبر عقود التطوع التي تشمل التأمين ضد الحوادث والتعويض عن النفقات والحماية القانونية ويتيح للمنظمات الاستعانة بالمتطوعين لتعزيز جهود الدولة والجماعات المحلية في البرامج التنموية، ومع ذلك يشير خبراء التنمية والمجتمع المدني إلى أن هذا الإطار رغم أهميته في تكريس المواطنة والمشاركة يحتاج إلى تحديث لمواكبة التحديات الحديثة مثل الجائحات والكوارث الطبيعية وتوفير ضمانات إضافية للمتطوعين تواكب حجم المخاطر والالتزامات مما يجعل من القانون أداة أكثر فعالية لتعزيز استمرارية التطوع واستثمار طاقاته بما يخدم التنمية المستدامة.

رغم هذه الإمكانات القانونية والمجتمعية، يواجه المتطوعون تحديات جوهرية تحول دون استمراريتهم حيث يفتقر الكثيرون إلى التأمين الصحي الكافي أو التعويض عن الإصابات أثناء أداء مهامهم، كما يعانون من ضعف الوعي المجتمعي الذي يقلل من قيمة التطوع ويجعل البعض ينظر إليه كهبة عابرة بدل التزام دائم، إضافة إلى غياب إدارة متخصصة لتوجيه المتطوعين وتحديد الأهداف بدقة وقلة الإعلان عن الفرص المتاحة مما يؤدي إلى انسحاب كثيرين من برامج حيوية، بالإضافة إلى التعقيدات الإدارية والإرهاق الذي يواجه الشباب الجاد ونقص التحفيز وغرس ثقافة التطوع منذ الصغر وهو ما يضعف الاستمرارية ويحد من الفائدة الكاملة التي يمكن أن يحققها المجتمع من جهودهم.

ولتجاوز هذه التحديات، يقترح اعتماد حلول متكاملة تبدأ بتطوير إطار قانوني شامل يحمي المتطوعين صحيا ومهنيا إضافة إلى تخصيص ميزانيات وطنية لدعم الجمعيات باعتبارها استثمارا في استقرار الوطن ورفاهيته ودمج التطوع كمادة تعليمية في المناهج الدراسية لتعزيز الوعي المدني وتنمية المهارات الاجتماعية منذ الصغر، كما ينبغي تنفيذ برامج تدريبية وتأهيلية مستمرة للمتطوعين وتحفيز الشباب قبل الانخراط في برامج التطوع وغرس ثقافة الالتزام المستمر مع تبسيط الإجراءات الإدارية وتكريم المتطوعين بأوسمة وشهادات حقيقية تعكس تقدير الدولة والمجتمع وربط التطوع بفرص مهنية لتعزيز الاستمرارية مما يضمن تحقيق التوازن بين العطاء والاعتراف الرسمي ويحوّل التطوع إلى قوة استراتيجية للتنمية الشاملة.

هذا ويبقى التطوع في تونس رمزا حيا للتضامن الوطني والمواطنة الفاعلة حيث يعكس روح المسؤولية المجتمعية ويجسد شعار "متطوع يوما هو تطوع دوما" كواقع ملموس يؤكد أن المساهمات الفردية المخلصة حين تقابل بالدعم والاعتراف تتحول إلى قوة دافعة للتنمية والتقدم الاجتماعي، ومع ذلك فإن غياب التقدير الحقيقي والمساندة الفعلية للمتطوعين يعني خسارة الوطن ليس فقط لجهودهم لكن لفكرة المواطنة نفسها إذ إن الدولة والمجتمع اللذين لا يعترفون بقيمة العطاء يفقدان القدرة على بناء مجتمع متماسك ومستدام، ومن هذا المنطلق يصبح احترام وتقدير المتطوعين ليس مجرد واجب أخلاقي لكنه استثمار استراتيجي في كرامة الوطن وأبنائه وفعلا مستمرا يحافظ على روح التضامن ويصنع تونس في أسمى صورهاوحيث يلتقي العطاء الفردي بالمسؤولية الوطنية لتتجسد قيمة التطوع في كل خطوة على طريق التنمية المستدامة مؤكدا أن الاستثمار في المتطوعين اليوم هو استثمار في مستقبل تونس غدا.

آخر الأخبار

تونس على أعتاب إضراب عام… اتحاد الشغل يرفع الصوت دفاعًا عن الحقوق والمكتسبات

تونس على أعتاب إضراب عام… اتحاد الشغل يرفع الصوت دفاعًا عن الحقوق والمكتسبات

قفصة على صفيح ساخن… إضراب العمال يربك إنتاج الفوسفاط ويهدد التوازن الاجتماعي

قفصة على صفيح ساخن… إضراب العمال يربك إنتاج الفسفاط ويهدد التوازن الاجتماعي

المعهد الرّشيدي: 90 عامًا من الموسيقى والذاكرة التونسية بين الماضي والحاضر

المعهد الرّشيدي: 90 عامًا من الموسيقى والذاكرة التونسية بين الماضي والحاضر

إليسا تختتم عام 2025 بحفل في قبة رادس بعد تتويجها عالميًا بجائزة Billboard

إليسا تختتم عام 2025 بحفل في قبة رادس بعد تتويجها عالميًا بجائزة Billboard

باحث تونسي يحقق تقدماً عربياً في هاكاثون الذكاء الاصطناعي 2025

باحث تونسي يحقق تقدماً عربياً في هاكاثون الذكاء الاصطناعي 2025

Please publish modules in offcanvas position.