في زمن الصراخ فوق الخطوط الجانبية، ظهر حمزة الخلفاوي كاستثناء نادر. لا يلهث خلف الكاميرات، لا يصرخ في المؤتمرات، لكنه يترك بصمته العميقة في كل مساحة يمرّ بها. مدرب شاب، أنيق الفكر، مثقل بالتجربة رغم حداثة السن، يراهن على التفاصيل الصغيرة ليصنع منها مجدًا كبيرًا.
بدايات صامتة… لكن صلبة
لم يكن الخلفاوي نجمًا صاخبًا في بداياته، بل كان ذلك الشاب الذي يحضر قبل الجميع ويرحل بعدهم. بدأ مشواره مع فرق الشبان في الترجي الرياضي التونسي والملعب التونسي، حيث كانت ملامح مشروعه التدريبي تتشكل على مهل، مدفوعة بشغف لا ينطفئ وإيمان مطلق بأن التكوين هو أقصر طريق للمجد الحقيقي.
حيث تُزرع البدايات… باردو سبور
في أكاديمية باردو سبور، لم يكتفِ حمزة بالعمل كمدرب، بل كان مكوّنًا ومرافقًا نفسيًا ومحللًا ومهندسًا للمواهب. في صمت وصبر، ساهم في صقل قدرات لاعبين برزوا لاحقًا على الساحة، وعلى رأسهم يوسف سكوحي، الذي تتلمذ على يديه، إلى جانب رفاقه فارس زعيبط وفيصل العروسي، في مشروع تكويني صار يُضرب به المثل في العاصمة.
حين يتكلم التحليل ويصعد الطموح
التحق حمزة الخلفاوي بناديه الأم، الشبيبة الرياضية بالعمران، لكن هذه المرة بشخصية جديدة: مدرب ومحلّل أداء. هناك، جمع بين العاطفة والانضباط، وكان جزءًا من ملحمة الصعود إلى الرابطة المحترفة الأولى، ثم لعب دورًا محوريًا في البقاء في النخبة خلال موسم كان أقرب إلى معركة بقاء.
في غرفة تحليل الأداء، كان يتقن قراءة الأرقام، وفي الحصص التدريبية، يفكك الخصوم ويعيد تركيب فريقه بحنكة العارف.
أسلوب بلا ضجيج… ولكن بنتائج
ما يميز الخلفاوي عن كثيرين؟ أنه لا يركض خلف الأضواء، بل يجعل الأضواء تركض خلف إنجازاته. يشتغل في العمق، ويؤمن بأن اللاعب طفل يحتاج من يفهمه لا فقط من يوجهه. لذلك، يحظى بثقة شبانه وحبّهم، كما يلقى احترام محيطه الفني أينما مرّ.
حمزة الخلفاوي ليس مدربًا عابرًا. هو مشروع طويل النفس، رجل يبحث عن الجودة لا الضجيج، عن البناء لا الهدم، عن الحفر في العمق لا السير فوق السطح. في وجهه هدوء العارف، وفي عينيه حلم مدرب يكتب مسيرته بصمتٍ... لكن بحروف لا تُمحى.