عندما قبل الدكتور محسن الطرابلسي التحدي وترشح لرئاسة النادي الإفريقي، فعلها كمن يدخل بيتًا محترقًا لا لينجو، بل لينقذ ما تبقى. لم يكن مجيئه طموحًا فرديًا، بل استجابة لنداء جماهيري واسع، يؤمن أن هذا الرجل، بما يحمله من مصداقية ومكانة وحنكة، قادر على إعادة الروح لكيان كاد يُختطف.
لكن المفاجأة، بل الصدمة، لم تأتِ من خصوم تقليديين، بل من "الداخل"؛ من وجوه ألفت كواليس النادي، وأصبحت ترى فيه موردًا لا مبدأ، منصة لا مسؤولية. تسريبات صوتية، خطط "سرية" لإسقاط الرجل حتى قبل أن يتسلّم رسميًا، تواطؤ مع أطراف ظلّت لسنوات تغتات من ضعف الفريق وغياب الحوكمة.
والمفارقة أن هؤلاء، هم أنفسهم من استفادوا أكثر من غيرهم من دعم الدكتور الطرابلسي، ماديًا ومعنويًا، حين كانوا على رأس بعض مفاصل الإدارة. ولكن... حين انتُخب بإرادة الجماهير، تحولوا إلى معاول لهدمه.
الجمهور يقول كلمته: نثق فيك... ولكن لا تنسَ المحاسبة
جمهور النادي الإفريقي لم يعد جمهورا عاطفيا، بل أصبح قوة رقابة شعبية. التفّ حول الدكتور الطرابلسي، وسانده في مرحلة دقيقة، لكنه اليوم يرفع صوته بمطلب مشروع:
"من سرق حلمنا يجب أن يُحاسب".
ويفهم الجميع أن الهيئة المديرة الجديدة غارقة في تحديات الوقت، من انتدابات وتربصات وإعداد للموسم، ولكن لا شيء يبرر السكوت عن الماضي القريب الذي أوصل النادي إلى حالة الانهيار. ولهذا، فإن تشكيل لجنة قانونية مستقلة أو تفويض أحد روافد النادي لفتح ملفات المحاسبة، أصبح أولوية لا تحتمل التأجيل.
السكوت عن الفساد لا يُعدّ حنكة... بل خيانة. وإعادة البناء دون غربلة الماضي، كمن يشيّد منزلًا على أرض ملوثة.
الإفريقي... مسؤولية جماعية لا فردية
لا يُمكن لأي رئيس مهما كان أن يواجه وحده هذا التراكم الثقيل من العبث المالي والإداري الذي عرفه الإفريقي لسنوات. لكن حين يتكامل صدق القيادة مع وعي الجماهير، تبدأ أولى خطوات الإنقاذ.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط مساندة معنوية، بل يقظة جماعية، لأن الحرب على النادي لم تنتهِ، بل ربما بدأت بشكل جديد: من الداخل، في صمت، بتواطؤ ناعم.
النادي الإفريقي نادٍ شعبي، تاريخه من نبض الناس، ومستقبله أمانة في أعناق الجميع. لا نطلب من الدكتور محسن الطرابلسي أن يكون منقذًا خارقًا، لكن نطلب منه أن يكون قائدًا لا يساوم، يفتح أبواب الحقيقة، ويُطلق أول رصاصة في وجه الفساد... رصاصة لا تُزهق الأرواح، بل توقظ الضمائر.