شهدت الجلسة العامة الأخيرة للنادي الإفريقي تقديم أرقام مالية صادمة للرأي العام الرياضي: الفريق الذي اعتاد على العجز والديون، يسجل هذه المرة فائضًا تاريخيًا بقيمة 2 مليار و415 مليون دينار في موسم 2024-2025. خطوة وُصفت بالتحول الجذري، ليس فقط على مستوى التوازنات المالية، بل أيضًا في المعادلات السياسية والإدارية داخل النادي.
من العجز إلى الفائض: انقلاب في المعادلات
قبل عام فقط، كان الإفريقي يواجه عجزًا بلغ 6 مليارات و366 مليونًا، مع رفض المنخرطين للتقرير المالي لموسم 2023-2024. اليوم، وبفضل استثمارات ضخها المستثمر الأمريكي بما يزيد عن 15 مليارًا، تحول العجز إلى فائض.
هذا الانقلاب يعكس تغييرًا في فلسفة التسيير:
- منطق "البقاء على قيد الحياة" استُبدل بمنهج "إعادة البناء".
- الملفات الشائكة التي كبّلت النادي لسنوات (زكرياء العبيدي، أليون مباي، حسين بن عيادة، منتصر الوحيشي، شركة Match World) تمت تسويتها، بتكلفة تجاوزت 8 مليارات.
الاستثمار الأمريكي: مكسب أم رهن للقرار؟
المستثمر الأمريكي لم يكن مجرد عنصر مالي، بل شكّل محورًا في النقاش الداخلي.
- أنصار المشروع يعتبرونه منقذًا أعاد الثقة إلى محيط النادي.
- المعارضون يرون أن ضخ أكثر من نصف مداخيل الموسم من مصدر واحد يطرح سؤال الاستقلالية والسيادة الرياضية.
مداخيل المباريات: الجماهير بين الدعم والمعاقبة
- حقق النادي مداخيل من الملاعب قاربت 3.465 مليار دينار.
- لكن مباراة مستقبل سليمان (ويكلو) مثّلت خسارة بـ200 ألف دينار، في إشارة إلى أن العقوبات المسلطة على الفريق من غلق المدارج لها أثر مباشر على الميزانية.
هذه الأرقام تفتح نقاشًا حول قيمة الجمهور كفاعل اقتصادي، وليس فقط كعنصر دعم معنوي.
وكلاء اللاعبين: ملف شفاف لأول مرة؟
لأول مرة، يتم تقديم تفاصيل دقيقة عن منح وكلاء اللاعبين:
- حوالي 330 ألف دينار موزعة على 13 وكيل أعمال في موسم واحد.
- هذا الموسم: صرف 240 ألف دينار، منها 180 ألفًا مرتبطة بصفقتي فراس شواط وأسامة الشريمي.
رغم الجدل، فإن توثيق المعاملات عبر صكوك وتحويلات يعبّر عن خطوة نحو الشفافية، بعد سنوات من الشبهات والغموض.
الرقابة والتدقيق: براءة مالية… مؤقتة؟
التقارير المرفقة بتدقيق خبراء المحكمة ومراقبي الحسابات (لأكثر من 3 أشهر) أكدت:
- لا وجود لخروقات مالية.
- لا سوء تصرف.
هذه النتائج تمثل مكسبًا معنويًا كبيرًا لهيكل دخيل، لكنها تطرح سؤالًا أعمق:
هل البراءة المالية اليوم تعني ضمان استمرارية النموذج غدًا؟
السياسة داخل الإفريقي: الملفات لم تُغلق بعد
رغم هذا النجاح، فتح التقرير الباب أمام أسئلة قانونية:
- كيف مرّت تقارير مالية سابقة (2021-2022 و2022-2023) رغم شبهات ضعف الرقابة على مداخيل المغازات الرسمية؟
- من هم المنخرطون الذين صادقوا على تلك التقارير، وما ملابسات تصويتهم؟
هذه الأسئلة تحوّل المسألة من مجرد جدل رياضي إلى ملف قضائي محتمل قد يُعيد خلط الأوراق.
الإفريقي أمام مفترق طرق
تقارير هيكل دخيل تكشف أن النادي الإفريقي دخل مرحلة جديدة:
- فائض مالي لأول مرة منذ ثلاثة عقود.
- ملفات تسوية أنهت كابوس النزاعات الدولية.
- تدقيق قضائي منح شهادة "حسن سيرة مالية".
لكن، في العمق، يظل النادي أمام امتحان الاستدامة: هل سيتحوّل الفائض إلى سياسة ثابتة أم أنه مجرد نتيجة ظرفية مرتبطة باستثمارات خارجية؟ وهل ستُستثمر هذه المرحلة في بناء مؤسسات قوية أم أنها ستظل رهينة تناقضات المنخرطين وصراعات الكواليس؟