لم يعد التزييف العميق (Deepfake) مجرّد مشهد من أفلام الخيال العلمي، بل تحوّل إلى كابوس حقيقي يهدد الشركات حول العالم. فمن خلال محاكاة دقيقة لأصوات وصور كبار المسؤولين التنفيذيين، أصبح بإمكان المحتالين خداع الموظفين ودفعهم إلى تحويل أموال أو تسليم معلومات حساسة، في عمليات نصب لا تُكتشف إلا بعد فوات الأوان.
هجمات ترتدي ثوب السلطة والضرورة
المحتالون يستغلون تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء مكالمات صوتية أو فيديو واقعية للغاية. يظهر "المدير" أو "الرئيس التنفيذي" أمام موظفه، بنبرة صارمة ورسالة عاجلة: "حوّل الأموال فوراً" أو "شارك هذه البيانات الآن".
عنصران نفسيان يجعلان الضحية تسقط بسهولة في الفخ:
- السلطة: الطلب صادر من شخصية نافذة داخل الشركة.
- الضرورة: الاستعجال والخوف من "العواقب" يمنع التفكير النقدي.
أرقام صادمة تكشف حجم الظاهرة
أكثر من 105 ألف هجوم Deepfake سُجّل في الولايات المتحدة عام 2024.
خسائر تجاوزت 200 مليون دولار خلال الربع الأول من 2025 فقط.
أبرز القضايا: موظف في شركة "Arup" الهندسية البريطانية وقع ضحية مكالمة فيديو مزيّفة، فحوّل 25 مليون دولار لمحتالين.
لماذا ينجح التزييف العميق؟
لأن الضحية لا يتوقع أن يواجه "صورة مزيفة" لمديره المباشر، ولأن المقاطع تبدو متزامنة ومقنعة بشكل يفوق قدرة العين البشرية على الشك. ومع ضعف بروتوكولات التحقق، يصبح الموظفون الحلقة الأضعف في سلسلة الأمان.
كيف يمكن التصدي للخطر؟
الخبراء يرون أن الحلول لا يمكن أن تكون تقنية فقط، بل تعتمد على استراتيجية شاملة:
- تفعيل بروتوكولات تحقق مزدوجة قبل أي تحويل مالي أو مشاركة حساسة.
- تدريب الموظفين على كيفية كشف الإشارات المريبة في المكالمات أو الطلبات المفاجئة.
- اعتماد أدوات ذكاء اصطناعي مضادة قادرة على تحليل واكتشاف التزييف العميق.
ما وراء الأرقام
الأدهى أن كثيراً من الشركات التي تتعرض لهذه الهجمات تخفي الأمر خوفاً على سمعتها، ما يعني أن الأرقام المعلنة ليست سوى قمة جبل الجليد.
في النهاية، الدرس الأهم للشركات اليوم هو أن الثقة لم تعد كافية. في زمن الذكاء الاصطناعي، لم يعد سماع صوت المدير أو رؤية صورته دليلاً على صحتها، بل أصبح التحقق الإضافي ضرورة وجودية لحماية الأموال والبيانات.