عجائب وغرائب، قصص حقيقية قصيرة و قصص واقعية من الحياة | توانسة

في لحظة نادرة حيث تلتقي كرة القدم بالتاريخ والجغرافيا والحنين السياسي، احتضن ملعب "مورنفيو بارك" في مدينة لورغان بإيرلندا الشمالية واحدة من أكثر المباريات الرمزية في تاريخ اللعبة، بعد أن اجتمع نادي جلينافون الإيرلندي ونظيره الألماني أوزربيرغه آوه لتصحيح صفحة مؤجلة منذ 1959، حين حال الجدار الحديدي للحرب الباردة دون لقائهما في كأس أوروبا.

اللقاء المؤجل يعود من بين ركام السياسة

كانت المباراة المقررة في موسم 1959-1960 لحساب الدور الأول من كأس أوروبا، بعدما تُوّج جلينافون بلقب الدوري الإيرلندي ووقع في مواجهة بطل ألمانيا الشرقية حينها، نادي "فيزموت" – الاسم السابق لأوزربيرغه آوه. لكن العوائق الجيوسياسية كانت أقوى من الكرة: إذ لم يُمنح الفريق الإيرلندي تأشيرات الدخول إلى ألمانيا الشرقية، ما أدى إلى إلغاء المواجهة نهائيًا.

المباراة تتحقق أخيرًا: التاريخ يُبعث من جديد

مرّت ستة عقود ونصف، لكن الإصرار والمصادفة والتكنولوجيا أعادت الحياة إلى تلك المواجهة. كل شيء بدأ بتغريدة ساخرة من آدم كارسون، مسؤول جماهير نادي جلينافون، قبل ثلاث سنوات، حيث كتب متندّرًا عن المباراة "التي لم تُلعب أبدًا". غير أن بعض مشجعي الفريق الألماني تلقّفوا الفكرة بجدية، وتحولت السخرية إلى مشروع، ثم إلى اتفاق، ثم إلى مباراة ذهاب في ألمانيا، والآن مباراة إياب في إيرلندا.

جمهور بالألف ومكاسب بالآلاف

أكثر من 1100 مشجع ألماني شدوا الرحال إلى بلدة لورغان، حاملين الأعلام ولافتات الشغف والوفاء الكروي، وساروا في مسيرة مرخّصة إلى ملعب المباراة، وسط أجواء احتفالية ذكّرت بأيام الوحدة المفقودة.

الفريق الألماني فاز بنتيجة 2-0، لكن كما قال الطرفان: النتيجة لم تكن يومًا هي الهدف، بل مجرد إقامة المباراة كانت "الانتصار الحقيقي".

الحدث شكّل دفعة اقتصادية وسياحية كبيرة للبلدة الصغيرة، إذ استقبلت نحو 1200 زائر في يوم واحد، ما انعكس إيجابًا على المجتمع المحلي والمرافق السياحية ونادي جلينافون نفسه، الذي حصد المكافأة المعنوية الأكبر.

ليس فقط كرة قدم.. بل تاريخ يُحتفى به

علق كارسون قائلًا:

"إنه لشرف أن نلعب هذه المباراة، ليس فقط لتصحيح خطأ سياسي، بل للاحتفاء بتاريخ مشترك بين ناديين فصلهما الانقسام العالمي".

وتمامًا كما كانت البداية العام الماضي بمباراة رمزية في ألمانيا، جاءت هذه المباراة لتُكمل الدورة الكاملة للتاريخ، وتمنح الجماهير مشهدًا نادرًا: عندما تنتصر الكرة على السياسة، وتُعيد تصويب أخطاء الماضي باللعب النظيف والنية الطيبة.

 حين توحدنا اللعبة التي فرّقنا فيها العالم

ما حدث بين جلينافون وأوزربيرغه آوه لا يمكن أن يُختزل في مجرد ودية بين ناديين مغمورين، بل هو درس كروي وإنساني يُثبت أن اللعبة التي طالما استُخدمت في السياسة، قادرة أيضًا على شفاء جراحها، وإعادة رسم جسورٍ بين شعوب فرّقتها الحرب.

فهل تصبح هذه المباراة مثالًا عالميًا يُحتذى به، في عصر تتصاعد فيه الانقسامات من جديد؟