في خطوة استراتيجية لتذليل العقبات التي واجهت الشركات الأهلية منذ إحداثها بمقتضى القانون عدد 15 لسنة 2022، أشرف السيد الطيب الدريدي والي جندوبة يوم الجمعة 5 ديسمبر 2025 على جلسة عمل موسعة لدراسة الرصيد العقاري الذي يمكن تخصيصه لهذه الشركات مع إعطاء الأولوية وفق الامتيازات الجديدة التي أقرّها المرسوم عدد 3 لسنة 2025 وقرارات الوزارات المعنية الصادرة في نوفمبر 2025، وقد جمع هذا اللقاء مختلف الهياكل الإدارية على مستوى الولاية بما في ذلك الكاتب العام للولاية ورئيس المجلس الجهوي والمعتمدون والكتاب العامون للبلديات ورؤساء المجالس المحلية، إضافة إلى المدير الجهوي لأملاك الدولة والشؤون العقارية والمدير الجهوي للتشغيل والتكوين المهني وممثلي المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية والإدارات الجهوية للتجهيز والإسكان وهو ما عكس حرص الولاية على تكامل الجهود وتسهيل انطلاق نشاط هذه الشركات ودعم استدامتها.
وخلال الجلسة، استعرضت اللجنة الجهوية التي يرأسها رئيس المجلس الجهوي نتائج جرد الأراضي الدولية الفلاحية والعقارية الخاصة بالدولة والبلديات سواء المهيكلة أو غير المهيكلة بما يتيح وضعها على ذمة الشركات الأهلية فورا أو بعد استكمال بعض الإجراءات القانونية، وأسفرت الأشغال عن قائمة أولية تضم 1300 هكتار من الأراضي والعقارات غير الفلاحية يمكن استغلالها مباشرة بصيغ الكراء بالمراكنة أو الانتفاع المباشر وفق الشروط الجديدة بينما عشرات المقاسم الفلاحية الأخرى لا تزال قيد التسوية القضائية أو العقارية ويتوقع إدراجها تدريجيا بمجرد اكتمال الإجراءات بما يضمن عدالة توزيع الأراضي وتفادي النزاعات المستقبلية، كما شمل الجرد إمكانية استثمار المنتوجات الغابية غير الخشبية مثل النباتات الطبية والعطرية والفطر والعسل، ما يمنح الشركات فرصا لتنوع مصادر دخلها وتعزيز مردوديتها الاقتصادية ويجعلها شريكاً فاعلا في الاقتصاد المحلي.
ويأتي هذا التطور في ظل إطار قانوني متكامل للشركات الأهلية، إذ يتيح القانون رقم 15 لسنة 2022 للشركات الأهلية أن تمارس نشاطا اقتصاديا واجتماعيا في آن واحد مع منحها حقوق استثنائية لتسهيل استعمال الأراضي الدولية وتقديم الدعم المالي والجبائي وتيسير إجراءات التأسيس عبر سجل وطني مخصص بما يعزز من قدرتها على المساهمة في التنمية المستدامة، كما أتاح المرسوم عدد 3 لسنة 2025 تبسيط إجراءات التأسيس، تخفيض رأس المال الابتدائي المطلوب وتقليل عدد الشركاء مع رقمنة المساطر لضمان الشفافية وسرعة الإنجاز.
وأكد السيد الطيب الدريدي أن ولاية جندوبة تزخر بإمكانات فلاحية وغابية وسياحية هامة تجعل من الشركات الأهلية قوة اقتصادية قادرة على امتصاص البطالة وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، وأوضح أن التسهيلات الرئاسية الأخيرة وخاصة منح لأولوية في كراء الأراضي الدولية وتقديم الدعم الجبائي والمالي، ستسهم في تجاوز الصعوبات التي واجهتها هذه الشركات منذ انطلاقها، وشدد على ضرورة تشجيع بعث شركات أهلية جديدة ودعم الشركات القائمة مع متابعة المعتمدين ورؤساء البلديات لكل المبادرات المحلية وتقديم الدعم الإداري واللوجستي لضمان نجاح التجربة وإعطائها القدرة على الإسهام الفعلي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
هذا وتشير المعطيات الرسمية حتى ديسمبر 2025 إلى أن عدد الشركات الأهلية المنشأة بولاية جندوبة بلغ 28 شركة منها 19 شركة نشطة فعليا تمارس نشاطا اقتصاديا منتظما، وقد وفرت أكثر من 420 موطن شغل معظمهم من الشباب والنساء وهو ما يعكس الدور الاجتماعي والاقتصادي لهذه الشركات في الحد من البطالة وتعزيز الإدماج المهني للفئات الهشة، وتقدر المساحة المستغلة حاليا من قبل هذه الشركات بنحو 470 هكتار بينما ستتاح مساحة إضافية تصل إلى 1300 هكتار بفضل القرارات الجديدة أي بزيادة تزيد عن 276٪ ما يفتح آفاقا واسعة للتوسع سواء في الإنتاج الفلاحي أو استغلال الموارد الطبيعية الأخرى.
وعلاوة على ذلك، يعكس هذا التوجه حرص الدولة على تعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي يهدف إلى دمج البعد الاقتصادي بالبعد الاجتماعي بحيث تصبح الشركات الأهلية رافعة للتنمية الجهوية والمحلية ومساهمة في حماية البيئة واستثمار الموارد بطريقة مستدامة مع دعم الشباب والنساء وتمكينهم اقتصاديا، وإذا تم استغلال كامل الرصيد العقاري بطريقة منظمة يمكن أن يسهم ذلك في خلق قيمة مضافة ملموسة، تشغيل مباشر لمئات الأشخاص وتنمية اقتصادية محلية تقلل من الهجرة الداخلية وتحفز الابتكار في أساليب الإنتاج.
وبالرغم من هذه الإمكانات، تظل بعض التحديات قائمة منها تأخر الشركات في تفعيل نشاطها الفعلي، الابتكار في الإنشاء ودراسة خصوصية المنطقة بدقة شديدة، الحاجة إلى شفافية في التسيير، معالجة النزاعات العقارية وضمان استدامة المشاريع في ظل التحديات الاقتصادية العامة، ومع ذلك فإن جندوبة تظهر دائما كنموذج رائد بين الولايات التونسية حيث تضع الأساس لاقتصاد أهلي متكامل ومستدامزيعزز دور الشركات الأهلية في التنمية المحلية ويتيح فرصا حقيقية للنمو الاجتماعي والاقتصادي في المستقبل.
