اختر لغتك

تونس تنجح جزئياً في تجنب "وصفة صندوق النقد الدولي" وتقيم ملامح إصلاحات اقتصادية متوازنة

تونس تنجح جزئياً في تجنب "وصفة صندوق النقد الدولي" وتقيم ملامح إصلاحات اقتصادية متوازنة

خلصت نتائج دراسة حديثة أعدها مركز علي بن غذاهم للعدالة الجبائية إلى أن تونس قد نجحت، ولو جزئياً، في تجنب تطبيق "الوصفة التقشفية" التي اقترحها صندوق النقد الدولي والتي كانت تتعلق برفع الدعم على المواد الأساسية والطاقة، بالإضافة إلى تجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية والتقليص من كتلة الأجور.

مقالات ذات صلة:

إتمام مشروع "مهارات من أجل التجارة والتنوع الاقتصادي" وتطوير مهارات سوق العمل في تونس

جيش البرباشة: 10 آلاف جندي في معركة النفايات والاقتصاد الوطني

اتحاد التاكسي الفردي يهدد بالإضراب العام: مطالب بزيادة سعر العداد لمواجهة التحديات الاقتصادية

في ندوة علمية انتظمت مؤخراً بالعاصمة، قدم أمين بوزيان، الباحث ومؤسس المركز، نتائج الدراسة التي أُطلقت في السنة الماضية والتي تم تقديمها في جانفي 2025. وأشار بوزيان إلى أن الدراسة التي تناولت ملف التعاون بين تونس وصندوق النقد الدولي أظهرت أن تونس تمكنت جزئياً من الانسحاب من تأثيرات شروط الصندوق الموجعة، إذ رفضت الحكومة التونسية تطبيق الشروط الصارمة التي طالب بها الصندوق، مؤكدًا أن هذا الخيار كان له تأثير إيجابي على السلم الاجتماعي في البلاد.

تونس ترفض فرضيات "رفع الدعم"

من أبرز المحاور التي ركزت عليها الدراسة هو مسألة رفع الدعم. وقد أظهرت النتائج أن تونس نجحت في الحفاظ على منظومة الدعم للمواد الأساسية مثل المحروقات والكهرباء والمواد الغذائية، على الرغم من الضغوط التي مورست عليها من المؤسسات المالية الدولية. ففي السنوات الأخيرة، ارتفعت قيمة الدعم بشكل ملحوظ من 4 مليارات دينار في سنة 2019 إلى 12 مليار دينار في سنة 2022، وهو ما يعكس التزام الحكومة بالحفاظ على سياسات الدعم على الرغم من الضغوط الاقتصادية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الصندوق النقد الدولي كان قد وضع جدولًا زمنيًا يهدف إلى رفع الدعم بشكل كامل بحلول سنة 2026، وهو ما رفضته الحكومة التونسية. موقف تونس كان مدعومًا من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي قرر وقف المفاوضات مع الصندوق وأكد رفضه القاطع لسياسات الصندوق التي تهدد الاستقرار الاجتماعي والعدالة الاجتماعية في البلاد.

التحولات الاقتصادية: تحكم أفضل في كتلة الأجور

على الرغم من هذه التحديات الاقتصادية، فإن تونس نجحت في تحقيق بعض الإنجازات الهامة في سياق إدارة الشأن المالي العام. فمن جهة، تمكنت البلاد من التحكم في كتلة الأجور، التي كانت تمثل عبئًا ثقيلًا على الميزانية. وقد أظهرت الدراسة أن كتلة الأجور قد انخفضت من 16.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 إلى 13% في سنة 2025، وهو ما يعد تحسنًا ملحوظًا في التحكم في هذا البند المالي الحساس. كما توقعت الدراسة أن يتزايد عدد الانتدابات في القطاع العام من 8 آلاف في سنة 2023 إلى 13,500 في سنة 2024، وصولًا إلى 21 ألف فرصة عمل جديدة في 2025.

هذا التحسن جاء في وقت كان فيه صندوق النقد الدولي يطالب بتجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية، وهو ما يمثل تراجعًا في سياسات التوظيف العام وتوسعًا في القطاع الحكومي، وهو ما تم تجنبه جزئيًا بفضل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التونسية.

تقدم ملحوظ في التحكم في العجز المالي

واحدة من النجاحات المهمة التي تسلط الدراسة الضوء عليها هي الانخفاض التدريجي لعجز الميزانية. فقد تمكنت تونس من تقليص العجز المالي من 7.4% في سنة 2023 إلى 6.3% في ذات السنة، وهي نتيجة أفضل من توقعات صندوق النقد الدولي التي كانت تشير إلى أن هذه النسبة لن تنخفض إلى هذه المستويات إلا في سنة 2026. كما توقعت الدراسة أن تصل نسبة العجز إلى 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2025، وهو ما يشير إلى تحسن كبير في الوضع المالي العام للبلاد مقارنة بالمراحل السابقة.

هذه النجاحات تعكس الجهود التي بذلتها تونس لتقليص الاعتماد على التمويل الخارجي، وهو ما تحقق لأول مرة مع توقف تزايد المديونية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، بعد أن أخذت الحكومة مسافة من التوجيهات المالية لصندوق النقد الدولي.

الإصلاحات الضريبية: تعزيز العدالة الجبائية

في سياق الإصلاحات الاقتصادية، أكدت الدراسة على أن التحدي الكبير يبقى في تعزيز العدالة الجبائية، التي تعتبر من العوامل الأساسية لضمان الاستدامة المالية للدولة. وأشار بوزيان إلى ضرورة بذل جهود إضافية على المستوى الجبائي لتعزيز قدرة البلاد على تعويض العجز المالي، خاصةً عبر توسيع القاعدة الضريبية، وتفعيل الضريبة على الثروات الكبرى التي تم إقرارها في قانون المالية لسنة 2023.

من الواضح أن الطريق طويل في هذا السياق، ويحتاج إلى إصلاحات جذرية لزيادة التوازن في توزيع العبء الضريبي، دون التأثير على الطبقات الضعيفة والمتوسطة التي تمثل أغلب الفئات الاجتماعية في تونس.

غياب خطة إنعاش اقتصادي واضحة

إحدى الملاحظات المثيرة التي أظهرتها الدراسة هي غياب خطة شاملة وواضحة لإنعاش الاقتصاد الوطني، وذلك رغم الإصلاحات الجزئية التي تم تنفيذها في السنوات الأخيرة. وفي هذا السياق، أكدت الدراسة على ضرورة تعبئة الموارد المالية الداخلية لتغذية خطة إنعاش اقتصادي تقوم أساسًا على الاستثمار العمومي، وهو ما يُعد خطوة حيوية لتشجيع النمو الاقتصادي المستدام.

وقد أشار بوزيان إلى أن هناك إمكانيات واسعة لزيادة الموارد الجبائية دون التأثير على الطبقات الضعيفة عبر تدابير مثل تعزيز الضريبة على الثروات الكبرى، وهو ما من شأنه تعزيز القدرة المالية للدولة وتمويل المشاريع التنموية الهامة.

الخلاصة: الابتعاد عن إملاءات المؤسسات المالية الدولية

خلصت الدراسة إلى أن الابتعاد عن الإملاءات الصارمة للمؤسسات المالية العالمية سيكون في صالح تونس على المدى الطويل، إذ سيتيح لها تحسين قدراتها المالية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتخفيف الأعباء على الفئات الضعيفة. يظل التعويل على الذات أحد أبرز الأسس التي يجب أن تعتمد عليها السياسات الاقتصادية المستقبلية لضمان الاستقرار المالي والاجتماعي.

آخر الأخبار

معركة العودة بين حق البقاء وسياسة التهجير في غزة بعد الدمار

معركة العودة بين حق البقاء وسياسة التهجير في غزة بعد الدمار

بعد فسخ عقده مع أربيل.. بلال العيفة يقترب من مغامرة جديدة في ليبيا!

بعد فسخ عقده مع أربيل.. بلال العيفة يقترب من مغامرة جديدة في ليبيا!

الملعب التونسي يحسم مصير نجمه.. والنيجري أومارو يغادر نحو العراق!

الملعب التونسي يحسم مصير نجمه.. والنيجري أومارو يغادر نحو العراق!

زلزال إداري في النادي الصفاقسي: استقالة جماعية والإدارة ترفع الراية البيضاء!

زلزال إداري في النادي الصفاقسي: استقالة جماعية والإدارة ترفع الراية البيضاء!

ليلة الحسم في دوري الأبطال: مواجهات نارية تحدد مصير الكبار!

ليلة الحسم في دوري الأبطال: مواجهات نارية تحدد مصير الكبار!

Please publish modules in offcanvas position.