في عصر الإنترنت، لم يعد العنف مقتصرا على الشوارع أو المنازل بل امتد ليغزو الفضاء الرقمي الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وعندما يُكر العنف الإلكتروني يتبادر إلى الأذهان صورة النساء كضحايا رئيسيات متناسين أن الرجال أيضا قد يتعرضون لهذا النوع من التهديدات، فعندما يجد رجل نفسه مهددا من شخص مجهول بنشر صور أو مقاطع فيديو ذات طابع خاص تتحول التكنولوجيا من أداة تواصل إلى سلاح يهدد استقراره النفسي وحياته الشخصية.
التعامل مع هذا الوضع ليس سهلا، فالرجل الذي يواجه مثل هذه المواقف يقف أمام عقبات كثيرة تبدأ بالخوف من الفضيحة وتمتد إلى العجز عن التفاعل مع الجهات المختصة بسبب نقص المعلومات حول هوية الشخص الذي يهدده، فالغموض هنا يلعب دورا أساسيا، إذ يضعف الموقف الدفاعي للرجل ويزيد من شعوره بالعزلة والارتباك.
وعندما يقع الضحية في هذا الفخ يكون في أمس الحاجة إلى وسيلة حماية فعالة، هنا يجب أن تتوفر منظومة قادرة على التعامل مع مثل هذه الجرائم بكفاءة بدءا من الإبلاغ السريع دون تعقيدات وصولا إلى تقديم الدعم الكامل له،فالتعامل مع هذه المواقف يتطلب بيئة تتفهم أهمية السرية لحماية الضحية من أي أذى إضافي قد يلحق به سواء من محيطه أو من الجاني.
وعلى الرغم من وجود قوانين تجرّم هذا النوع من الجرائم فإن التطبيق الفعلي يواجه تحديات كبيرة، أبرزها صعوبة الوصول إلى المجرمين خاصة إذا كانوا يستخدمون تقنيات متطورة لإخفاء هويتهم، لذلك تصبح الحاجة إلى حلول عملية أكثر إلحاحا، ومن بين هذه الحلول تطوير أدوات تقنية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعقب الجناة وكشف هوياتهم وتعزيز التعاون الدولي لملاحقة المتورطين الذين ينفذون جرائمهم من خارج البلاد أو داخلها.
لكن المسألة لا تقف عند الجانب التقني فقط، فالرجل الذي يتعرض لهذا التهديد يحتاج إلى أن يشعر أن هناك من يقف بجانبه، لهذا لا بد من وجود مراكز متخصصة تقدم الدعم النفسي والقانوني وتساعد الضحية على استعادة توازنه، كما أن إطلاق منصات إبلاغ آمنة وسرية يمكن أن يشجع الضحايا على التقدم للإبلاغ دون خوف من التبعات.
وفي ظل هذه التحديات من الضروري أن تتوفر حملات توعوية تشرح أهمية التصدي لمثل هذه الجرائم وتشجع الضحايا رجالا كانوا أو نساء على كسر حاجز الصمت، هذه الحملات لا تقتصر على التحذير من المخاطر بل تمتد إلى تعليم الأفراد كيفية حماية أنفسهم ومعلوماتهم في العالم الرقمي.
اذ ما يميز العصر الرقمي هو أنه يمنح القوة لمن يعرف كيفية استخدامه ولكنه يتحول إلى تهديد حقيقي عندما يستخدم ضدنا، لذلك يجب أن تكون المواجهة شاملة تستهدف تعزيز الوعي، تطوير الأدوات، وتوفير الدعم لكل من يجد نفسه تحت هذا النوع من التهديد، فالرجل الذي يواجه مثل هذه المواقف يحتاج إلى أن يعرف أن هناك نظاما كاملا جاهزا لحمايته وأن التكنولوجيا التي تستخدم لتهديده يمكن أن تتحول إلى سلاح يردع المعتدي ويعيد له حقه.
في النهاية، يتطلب بناء بيئة رقمية آمنة جهودا متكاملة تبدأ من الفرد وتمتد إلى المجتمع بأكمله، فالفضاء الرقمي ليس مكانا للفوضى أو الخوف بل يجب أن يكون مجالا يعزز الثقة ويضمن للجميع الشعور بالأمان والاحترام.
