في توقيت يتزامن مع عودة التوتر إلى البيوت التونسية مع صدور النتائج الدراسية، أطلقت المنظّمة الدولية لحماية أطفال المتوسط، اليوم الثلاثاء، تحذيرًا لافتًا من التداعيات النفسية الخطيرة التي قد تخلّفها الضغوط المدرسية على التلاميذ، مؤكدة أنّ حياة الطفل وصحته النفسية يجب أن تظل أولوية مطلقة تتقدّم على أيّ تحصيل دراسي أو ترتيب أكاديمي.
المنظمة، وفي بيان اتّسم بلهجة تنبيهية واضحة، نبّهت إلى أنّ جزءًا من المجتمع التونسي ما يزال يتعامل مع النتائج المدرسية بوصفها معيارًا وحيدًا للنجاح أو الفشل، وهو ما يدفع بعض العائلات إلى ممارسات قائمة على التشدّد والضغط المفرط، بل أحيانًا على العنف اللفظي والنفسي، في محاولة لفرض التفوّق الدراسي بأيّ ثمن.
من حبّ مشروط إلى خطر نفسي صامت
وحذّرت المنظمة من أخطر ما في هذا السلوك، والمتمثّل في ربط حبّ الوالدين لأبنائهم بنتائجهم المدرسية، معتبرة أنّ هذا الربط يُنتج شعورًا عميقًا بعدم الأمان العاطفي لدى الطفل، ويزرع داخله الخوف من الفشل بدل حبّ التعلّم. وأكّدت أنّ الدراسات النفسية أثبتت أنّ التلميذ الذي يتعرّض لضغوط متواصلة أو لسوء معاملة بسبب الدراسة، يفقد تدريجيًا ثقته بنفسه وتوازنه النفسي، وقد يصل في حالات قصوى إلى الاكتئاب الحادّ أو التفكير في إيذاء النفس.
وأشارت المنظمة إلى تسجيل حالات مأساوية في السنوات الأخيرة، بلغ بعضها حدّ الانتحار أو محاولة الانتحار، نتيجة تراكم الضغط المدرسي في بيئة أسرية غير داعمة، وهو ما يحوّل الامتحانات والنتائج من محطة تقييم إلى عامل تهديد حقيقي للحياة.
النتائج وسيلة تقييم لا أداة إدانة
ودعت المنظمة الأولياء إلى التعامل مع النتائج الدراسية بمنطق عقلاني وهادئ، معتبرة إيّاها مؤشّرًا للتقييم والتوجيه لا وسيلة للعقاب أو الإدانة. وشدّدت على ضرورة التركيز على المجهود المبذول من قبل التلميذ، بدل الاقتصار على المعدّل النهائي، مع تجنّب المقارنات بين الأبناء أو بين التلاميذ، لما لها من أثر مدمّر على الصحة النفسية.
كما شدّدت على أهمية الحوار داخل الأسرة، والاستماع إلى الطفل وفهم الصعوبات التي يواجهها، سواء كانت دراسية أو نفسية، باعتبار أنّ النجاح الحقيقي هو مسار متكامل لا تصنعه الأرقام وحدها.
رسالة إلى وزارة التربية: البرامج تحت الضغط
وفي بعد أوسع للمسألة، حمّلت المنظمة وزارة التربية جزءًا من المسؤولية، داعية إلى مراجعة الزمن المدرسي وكثافة البرامج التعليمية، التي وصفتها بـ«المرهقة نفسيًا وذهنيًا»، خاصة في المراحل العمرية الحسّاسة. واعتبرت أنّ الضغط الزمني وتراكم الدروس والاختبارات ينعكس سلبًا ليس فقط على نفسية التلاميذ، بل كذلك على مردودهم الدراسي وقدرتهم على الاستيعاب.
الأنشطة الموازية… خط الدفاع الأول
وختمت المنظمة تقريرها بالتأكيد على الدور الحيوي للنوادي المدرسية والأنشطة الثقافية والرياضية والفنية، مثل المسرح والموسيقى والرسم والإعلامية، معتبرة إيّاها خطّ دفاع نفسي واجتماعي أساسي يساهم في تفريغ الضغوط، واكتشاف المواهب، وبناء شخصية متوازنة، فضلًا عن حماية الأطفال من الانحراف وأخطار الشارع.
رسالة المنظمة جاءت واضحة:
التلميذ ليس معدّلًا فقط، والنجاح لا يُقاس بالأعداد وحدها… بل بطفل سليم نفسيًا، واثق بنفسه، قادر على بناء مستقبله دون خوف.



