في لحظة صادقة، وربما جارحة، اختزل المعلّق الرياضي المصري عصام عبده أزمة مدينة طبرقة – وبل ربما أزمة مدن تونس كلها – حين قال خلال تغطيته لتربص النادي الأهلي المصري:
"طبرقة جوهرة خضراء، لكن أتمنى من الدولة أن تهتم أكثر بهذه الجوهرة، وخاصة من ناحية النظافة، فوسط المدينة لا يعطي فكرة جميلة عنها".
كلمات عبده جاءت من قلب الحدث: من مدينة طبرقة التي تستضيف حاليًا أحد أكبر أندية القارة، الأهلي المصري، في تربّص تحضيري لموسمه الكروي الجديد، وسط تغطية إعلامية وإقليمية مكثفة. بدل أن تكون الزيارة فرصة لتلميع الصورة السياحية والبيئية لتونس، كانت مناسبة لكشف المستور: جمال طبيعي يُخفي خللًا بنيويًا في البنية التحتية ونظافة المدن.
◀️ الوجه الآخر لطبرقة... ولبقية المدن
رغم سحرها الأخّاذ وموقعها الجبلي البحري، لم تسلم طبرقة من وباء الإهمال البلدي. المدينة – كما مدن تونس الكبرى: تونس، سوسة، صفاقس، بنزرت – تعاني من تراكم النفايات، نقص الحاويات، وتراجع الوعي البيئي. هذه الإشكاليات لا تسيء فقط لسكان المدن، بل تشوّه وجه تونس أمام السياح والزوار الأجانب، كما حصل مع بعثة الأهلي المصري.
آخر الأرقام الرسمية تؤكد حجم الكارثة:
🔹 نحو 2.9 مليون طن من النفايات المنزلية تُنتج سنويًا
🔹 فقط 75% منها يتم رفعه في الآجال
🔹 أما 25% المتبقية فتتكدس في الأحياء، تُلقى في الطبيعة أو تُحرق عشوائيًا!
ويُظهر تقرير المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية أن النظافة تحتل المرتبة الثالثة بين أزمات البلديات، إلى جانب ضعف التمويل وسوء الحوكمة.
❌ السياحة والنظافة… معادلة غير متوازنة
المفارقة المؤلمة أنّ تونس تراهن على السياحة كرافد رئيسي لاقتصادها، في حين أنّ غياب النظافة أصبح من أبرز أسباب نفور الزوار. ففي استطلاع أجرته "Connect Tourisme" بداية 2025، أكد 67% من السياح أنهم لاحظوا تدهورًا في نظافة المدن، خاصة بالمناطق السياحية الحيوية.
السائح قد ينبهر بالشواطئ والمناظر، لكنه لن ينسى أكياس القمامة، الروائح، وتراكم الأوساخ على أرصفة الأسواق والشوارع العامة.
📢 أكثر من نداء... هل يسمع أحد؟
تصريح عصام عبده كان بمثابة الصفعة الودية: صوت خارجي نبه إلى ما يتجاهله المسؤولون. لم يأتِ من معارضة سياسية أو من نشطاء البيئة، بل من إعلامي رياضي جاء ليغطي تحضيرات الأهلي، فوجد نفسه يواجه واقعًا بيئيًا صادمًا.
✅ المطلوب: إرادة سياسية + وعي مواطني
الوقت ليس للوم فقط، بل للمساءلة والفعل. فحلّ أزمة النظافة لا يكون بمبادرات ظرفية موسمية، بل بـ:
- خطة وطنية دائمة وممولة
- حملات تحسيس شعبية مستمرة
- رقابة فعلية وتطبيق صارم للقانون ضد الملوثين
- تشجيع الجمعيات البيئية والمبادرات المجتمعية
🌿 طبرقة تستحق... وتونس أولى ببيئتها
طبرقة فعلاً "جوهرة خضراء"، لكنها مهددة أن تفقد بريقها إذا ما تواصل الإهمال. كل مدينة تونسية اليوم مطالبة بأن تعكس صورتها الحقيقية: بلد الجمال، لا بلد القمامة.
فهل يكون صوت عصام عبده الصدى الذي يوقظ الضمائر؟ أم سيمرّ كغيره من الأصوات في صمت التهاون والتكرار؟
الكرة لم تعد في ملعب الصحفيين... بل في ملعب الدولة والمواطن.