في شمال غرب تونس حيث يمتد الأفق بين السماء والحقول تقع مزرعة بن شعبان لكريم بن شعبان معلنة عن نفسها بصفوف من أشجار الزيتون العتيقة التي تحمل بين أغصانها حكايات قرون طويلة من الزمن، هناك في قلب ماطر من ولاية بنزرت حيث الشمس تلامس التربة الطينية الكلسية بدفء خفيف وتتناثر قطرات المطر بين أوراق الأشجار، يولد الزيتون بروح أصيلة تتغلغل في كل ثمرة قبل أن تتحول إلى زيت يروي قصص الأرض والموسم والإنسان الذي يعتني بها.
في هذه المزرعة، لا يقطف الزيتون بطريقة آلية أو عشوائية بل يختار كل ثمرة بعناية يدويا تحت أشعة الشمس الذهبية ليحتفظ بلونه الأخضر الفاتن ونكهته الطازجة، وبعد مرور أربع ساعات فقط تصل الثمار إلى المعصرة حيث يعصر الزيت على البارد وبدون أي تعرض للأكسجين ليخرج الزيت حاملاً عبق الأرض ورائحة الأعشاب الطازجة مع لمسات خفية من الخرشوف والطماطم الخضراء لتصبح تجربة التذوق رحلة حسية متكاملة تعبر عن البيئة الأصلية للثمار وسحر الموسم.
ولا يقتصر تميز هذا الزيت على طعمه ورائحته بل يمتد إلى تركيبته الكيميائية حيث تحتوي كل قطرة على أكثر من 1200 جزء بالمليون من المركبات الفينولية النشطة بيولوجيا ما يمنحه ثباتا ممتازا ومزايا صحية استثنائية، وفي كل رشفة أو لمسة على الطعام يشعر المتذوق بانسجام بين المرارة والحدة والفاكهة المكثفة، كما لو أن الأرض نفسها قد توجت بذوق متوازن يربط الحواس بالمعرفة والفهم العميق لتأثير البيئة والموسم على الثمار.
وقد اكتسب هذا التفاني العلمي والفني اعترافا دوليا إذ نال زيت مزرعة بن شعبان جائزة المكتب الوطني للزيت ONH 2022 كأفضل زيت زيتون بكر ممتاز من صنف الشتوي وذهبت الميدالية الذهبية في Olivonomy Paris Awards 2022 إلى هذه التحفة إلى جانب جوائز MarioSolinas 2023 وإسطنبول 2023 ما يؤكد أن كل قطرة زيت هنا ليست مجرد منتج غذائي بل قصيدة حية مكتوبة بالعمل الدؤوب والاهتمام الفائق بكل تفصيل.
وعلى الرغم من أن كل مرحلة من مراحل الإنتاج بدءا من الحصاد اليدوي مرورا بالنقل السريع وصولا إلى العصر البارد، قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى إلا أنها تشكل شبكة دقيقة من الإجراءات التي تحافظ على التوازن بين الخصائص الكيميائية والحسية للزيت، كما إن كل خطوة هنا تظهر احترام المزارع للطبيعة ووعي الإنسان بتأثير التربة والمناخ على جودة الزيت مما يجعل المنتج النهائي انعكاسا حقيقيا لتفاعل البيئة مع الخبرة البشرية.
هذا وتقدم مزرعة بن شعبان أكثر من مجرد زيت فهي تقدم تجربة متكاملة لكل الحواس تعكس التاريخ والطبيعة والعمل الدؤوب وتضع تونس في مقدمة الدول المنتجة للزيوت الفاخرة، كما وإن كل قطرة زيت هنا تحمل روح الأرض، عبق الشمس وصدى الجهد البشري تصبح بذلك أكثر من غذاء، فهي لوحة حسية متكاملة تستحق أن تروى وتتذوق وتقدر.



