اختر لغتك

قوافل الصمود هي إرادة تتحدى الحصار

قوافل الصمود هي إرادة تتحدى الحصار

في لحظة مفصلية من تاريخ القضية الفلسطينية تتقدم مبادرة تونسية–جزائرية إلى واجهة المشهد العربي والدولي محاولة كسر الحصار المجرم المفروض على قطاع غزة منذ أشهر عبر تحرّك بري–بحري متكامل، هذا وتشكل قوافل برية ضخمة وأساطيل بحرية رمزية اليوم أداة ضغط سياسي وأخلاقي غير مسبوق في مواجهة آلة الاحتلال المدعومة بصمت دولي فاضح، فلم تعد مسألة فك الحصار محصورة في دهاليز مجلس الأمن أو طاولات التفاوض العقيم بل خرجت إلى الشارع العربي ومياه المتوسط حيث تتشكل معركة جديدة هي معركة الإرادة المدنية في وجه الجريمة السياسية الدولية.

فمن شوارع العاصمة تونس إلى صفاقس ومن مدن جزائرية عدة تشكلت قوافل برية محملة بأطنان من المواد الغذائية والأدوية والمساعدات الإغاثية بجهود نقابات عمالية، جمعيات أهلية ونخب أكاديمية وبإسناد لوجستي واضح من الدولة التونسية والجزائرية حيث ستتحرك القوافل عبر البر إلى معبر رفح المصري الشريان الوحيد المتبقي خارج سيطرة الاحتلال المجرم والذي يخضع لحسابات معقدة تجمع بين سيادة مصرية حساسة، ضغط عربي شعبي، وابتزاز إقليمي–دولي، لتجد مصر نفسها أمام اختبار مركب بين فتح المعبر يعزز موقعها العربي ويؤكد استقلالية قرارها أو إغلاقه بحجج أمنية يهدد بتأجيج غضب الشارع العربي ويفتح الباب أمام مساءلة سياسية داخلية ودولية.

على خط مواز أبحرت سفينة مادلين  أيقونة التحالف الأوروبيالعالمي لدعم غزة من ميناء كاتانيا الإيطالي في 1 جوان 2025 حاملة شحنة رمزية من وحدات تحلية المياه، أدوية، أطراف صناعية، بذور زراعية وكميات محدودة من المواد الغذائية، والأهم كان على متنها وجوه رمزية من نواب أوروبيين ونشطاء حقوقيين وفنانين عالميين أرادوا إرسال رسالة سياسية وأخلاقية مباشرة إلى الاحتلال وكان الرد هستيريا مدمرات بحرية، طائرات مسيرة وتهديدات باستخدام "كل الوسائل اللازمة" لمنع السفينة من الوصول إلى غزة مما يعكس هشاشة الاحتلال أمام المبادرات المدنية العابرة للحدود وسلاح الرواية الأخلاقية كأداة ردع فعالة.

وأثر كل ذلك تكتب الأرقام ملحمة الألم اليومي حيث بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين أكثر من 54,000 منذ أكتوبر 2023، إلى جانب نزاع غذائي حاد يهدد نصف مليون فلسطيني بالموت البطيء وتدمير أكثر من 80% من البنية التحتية الصحية في غزة ، وأمام هذه الجرائم تحولت قوافل المساعدات إلى ضرورة سياسية وأخلاقية تضع كل من يتلكأ في خانة التواطؤ مع الاحتلال.

في ظل هذا الواقع، تطرح المبادرة المشتركة أسئلة استراتيجية عميقة هل ستصبح الاستراتيجية البرية–البحرية دورية ومتزامنة بين المبادرات العربية والدولية؟ وهل تنجح تونس والجزائر في بناء تحالف أوسع يشمل مصر والسودان والأردن؟ وهل يتحول البحر إلى جبهة ضغط حقيقية تعيد غزة إلى صدارة المشهد العالمي؟ وهل تصمد المبادرات أمام ابتزاز الاحتلال ومحاولات التشويه الإعلامي؟ والأهم، هل ترتقي النظم العربية إلى مستوى شعوبها وتدعم هذا الحراك الإنساني والسياسي؟ هذه الأسئلة، رغم عدم وضوح أجوبتها تفرض إيقاعها بقوة على النقاش العربي والدولي.

فليست القوافل البرية ولا السفن الرمزية مجرد أدوات إنسانية لكنها جزء من هندسة استراتيجية جديدة للمقاومة المدنية تعيد تعريف السيادة في مواجهة منظومات الإغلاق وتؤكد الشرعية في وجه آلة البطش الدولية وتحرك الضمير العربي الذي يحاول البعض استئصاله من الجغرافيا السياسية، إذ تقول هذه المبادرات للعالم إن غزة ليست قضية حدودية فحسب بل مسألة كرامة عالمية وأمام هذا المعطى أصبحت المقاومة الأخلاقية العابرة للحدود من أهم أسلحة المعركة.

فبين رمال رفح وأمواج المتوسط تتشكل اليوم جغرافيا جديدة للمقاومة ليست مرسومة ببنادق الجيوش بل بخيوط الإرادة الشعبية التي تحوّل كل سفينة إلى رسالة وكل قافلة إلى شهادة سياسية في وجه الاحتلال ويبقى السؤال الأكبر معلقا هل تملك النظم العربية شجاعة السير مع شعوبها في هذا الطريق؟ أم ستبقى القوافل وحدها تقارع الظلم بصدور عارية وإرادة لا تلين؟ الجواب تكتبه اليوم قوافل تونس والجزائر وسفينة مادلين وكل نبضة من قلوب أحرار العالم المتطلعين إلى كسر الحصار وتحويله إلى ذاكرة عار عالمي لا تُنسى.

في المشهد الراهن للصراع الفلسطيني، تأتي قافلة الصمود كرمز بارز للمقاومة الشعبية التي تنطلق من قلب الأمة العربية وتحمل آمال ملايين الشعوب التي ترى في دعم غزة وقفة أخلاقية ووطنية ولكن لفهم أهمية هذه القافلة لابد من التوقف عند المواقف السياسية والجيوسياسية للدول التي تمر بها المبادرة فلكل منها وزن خاص يصوغ واقع المبادرة أو يعوقها وتكمن في تفاصيل هذا المسار مفاتيح نجاح أو فشل هذه المحاولة الإنسانية والسياسية.

اذ تنطلق القافلة من تونس البلد الذي يعاني أزمات اقتصادية واجتماعية متعددة لكنه يحتفظ بحراك شعبي نابض في دعم القضية الفلسطينية وقد نظمت هذه المبادرة تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين في تونس، فتاريخيا تبنت تونس موقفا مبدئيا يدعم حقوق الفلسطينيين ورغم ضعف الإمكانيات يعكس الحراك الشعبي والنخبوي وعيا وطنيا وإقليميا يمنح المبادرة زخما معنويا هائلا، فتونس تمثل نقطة انطلاق استراتيجية حيث تراكمت تجارب دعم القضية الفلسطينية التي تعبر عن رفض الاحتلال ونداء لإنهاء الحصار ومع ذلك تبقى تونس في موقع هش بسبب أزماتها الداخلية ما يجعل المبادرة تعبيرا عن قوة الشعب قبل أي سلطة رسمية.

تلي تونس الجزائر، القوة الإقليمية الأبرز في شمال إفريقيا والتي تحمل تاريخا نضاليا ضد الاستعمار ورسائل دعم واضحة للفلسطينيين، فهي تقف بثبات مع الفلسطينيين وتقدم دعما سياسيا ولوجستيا مع الحرص على إدارة علاقاتها الإقليمية والدولية بعقلانية موازنة بين دعم القضية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي والمصالح الوطنية، كما وأنها تسعى  لتكون رأس حربة في التضامن العربي لكنها تحتاج لموازنة دقيقة بين الضغط على الاحتلال وتجنب تصعيد يهدد أمنها.

لتمر القافلة عبر ليبيا، البلد المنهك أمنيا وسياسيا لكنها تشكل جسرا للتضامن يتجاوز الانقسام والفوضى، فهي كممر حيوي بين تونس والجزائر ومصر تعكس رغبة في توحيد الصفوف العربية، إلا أن الظروف الأمنية المعقدة تجعلها نقطة حساسة تتطلب تنسيقا عاليا لتفادي عراقيل والتدخل الدولي في ليبيا يزيد تعقيد الدعم اللوجستي.

وفي مصر، بوابة قطاع غزة البرية تكمن التحديات الأكبر فهي تتعامل مع الحصار بسياسة محكمة تمزج بين مصالحها الأمنية والضغوط الدولية والإقليمية والقاهرة تحكم المعابر بحذر شديد مع مراعاة الضغوط الشعبية والإقليمية لتخفيف الحصارو تمثل في الآن ذاته قوة محورية ومقررة مواقفها هشة بين رغبة الحفاظ على علاقاتها الدولية والوعي الشعبي وجود المبادرات مثل قافلة الصمود يزيد الضغط على القاهرة لتقديم تنازلات مدروسة تحافظ على سيادتها.

اما الأردن، رغم قربه يتعامل بحذر مع القضية الفلسطينية خشية تداعيات تصاعد الوضع على استقراره خصوصا مع وجود نسبة كبيرة من الفلسطينيين، فمواقفه محافظة وتتجنب خطوات قد تزعزع استقراره أو تعقد تحالفاته الدولية رغم الضغط الشعبي الذي يدفع إلى إعلان التضامن نظرياً.

ودوليا، المشهد أكثر تعقيدا فالاحتلال يستغل الدعم الأمريكي غير المشروط لإبقاء الحصار مشددا بينما تضغط الاحتجاجات الشعبية العالمية على مصداقية الأمم المتحدة ومجلس الأمن في حماية حقوق الإنسان والقانون الدولي وهذه الضغوط تفتح المجال لتعزيز المبادرات الإنسانية والسياسية التي تسعى إلى إنقاذ المدنيين في غزة.

في هذا الإطار، تتحول السفينة "مادلين" إلى رمز تحد للمشروع الاحتلالي حيث حاولت اختراق الحصار البحري على غزة لكنها واجهت اعتراضا عسكريا مكثفا، فهي ليست مجرد محاولة لكسر الحصار بل رسالة عالمية تضع القضية الفلسطينية في قلب الاهتمام الدولي وتبرز الحاجة إلى دعم حقيقي وفعال وعبورها يمثل إرادة شعبية وعالمية لا تقهر وتشكل تحديا استراتيجيا للاحتلال.

في النهاية، نجاح قافلة الصمود لا يقاس فقط بوصولها الجغرافي إلى غزة لكن بتقاطع مواقف الدول وحجم الدعم الشعبي والدولي، فكل دولة تملك حساباتها التي تصوغ مشهدا مركبا مليئا بالتحديات والفرص والعامل الحاسم هو القدرة على تحويل الزخم الشعبي إلى ضغط سياسي دبلوماسي مستمر يدفع نحو كسر الحصار ويعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية دوليا.

هذه المعركة ليست فقط على الأرض إنما في النفوس والعقول والسياسات حيث يحمل كل تحرك فرصة لتحويل المعاناة إلى انتصار ويضع الضمير العربي والدولي في اختبار مستمر يتطلب موقفا حازما يتجاوز المصالح الضيقة إلى أفق العدالة والكرامة.

آخر الأخبار

💧 قطاع المياه المعلبة في تونس: 3 مليارات لتر إنتاج سنوي وقرابة 20 ألف موطن شغل

💧 قطاع المياه المعلبة في تونس: 3 مليارات لتر إنتاج سنوي وقرابة 20 ألف موطن شغل

🕯️💔 فاجعة في بئر بورقبة: العثور على رضيع ميت بحاوية فضلات… وشبهة جنائية تطال امرأة

🕯️💔 فاجعة في بئر بورقبة: العثور على رضيع ميت بحاوية فضلات… وشبهة جنائية تطال امرأة

فيرجي تشامبرز وآمنة خلفة يُتوّجان علاقتهما بحفل زفاف أسطوري!

فيرجي تشامبرز وآمنة خلفة يُتوّجان علاقتهما بحفل زفاف أسطوري!

🎬 السينما التونسية تُبعث من رمادها في بولونيا: “ريح السد” و”العرس” و”كاميرا عربية” بنسخ مرمّمة عالمياً!

🎬 السينما التونسية تُبعث من رمادها في بولونيا: “ريح السد” و”العرس” و”كاميرا عربية” بنسخ مرمّمة عالمياً!

إضراب مفاجئ يلغـي ودية تونس وإفريقيا الوسطى في الدار البيضاء!

إضراب مفاجئ يلغـي ودية تونس وإفريقيا الوسطى في الدار البيضاء!

Please publish modules in offcanvas position.