في مشهد أصبح أكثر من مجرد احتجاج جماهيري، تحوّل سؤال "وين مشات الفلوس؟" إلى شعار المرحلة في أوساط جماهير النادي الإفريقي، التي بدأت تستفيق على واقع مالي صادم، حيث تُطرح اليوم، وبقوة، تساؤلات حارقة حول مصير أكثر من 26 مليار صرفت في السنوات الأخيرة، دون أن ينعكس ذلك على الوضعية العامة للنادي.
📉 أزمة مالية مزمنة أم منظومة فساد ممنهجة؟
لفهم هذا التململ الشعبي، لا بد من التوقف عند ثلاث حقائق:
- الأزمة لم تعد ظرفية: بل أصبحت هيكلية، إذ أن الإفريقي، على مدار العشرية الأخيرة، ورغم تعاقب عدة هيئات، لم ينجح في التخلص من النزاعات ولا في إيجاد توازن مالي مستدام.
- الديون تتضاعف رغم ضخ الأموال: الحديث عن صرف 26 مليار (وفق مصادر مختلفة من داخل النادي) خلال خمس سنوات، يقابله واقع مالي مأزوم، ونزاعات بالآلاف، ومستحقات معلّقة للاعبين ومدربين، بل وإجراءات منع من الانتداب تلاحق الفريق موسمًا بعد آخر.
- انعدام المحاسبة = استمرار الفساد: لم يتم إلى اليوم فتح أي تحقيق رسمي شفاف في ما تم إنفاقه، وكيف، ومن صادق عليه؟ ولا توجد تقارير مالية منشورة ولا هيئة رقابة مستقلة كانت قادرة على كشف "الثغرات" إن وجدت.
🔍 ما الذي حصل؟ كيف صُرفت الأموال؟ ومن المنتفع؟
حسب تحليل عدد من المختصين في الشأن الرياضي والمالي، يمكن تلخيص مكامن الإشكال في الآتي:
- سوء التصرف الإداري: غياب الحوكمة الرشيدة والاعتماد على أشخاص دون كفاءة أو خبرة في التسيير المالي.
- العقود الخيالية: انتدابات بمبالغ ضخمة دون مردود رياضي، ولا مردود استثماري، وهو ما وصفه البعض بـ "نفقات مغشوشة".
- المحاباة والتضارب: شبهات تضارب مصالح تحوم حول عدد من المسؤولين الذين جمعوا بين التسيير والتفاوض والانتفاع.
- غياب الرقابة: لم تقم أي هيئة عليا أو وزارة الشباب والرياضة أو اللجنة الأولمبية بمراقبة جدية لحسابات الجمعية، في ظل تعمد التعتيم.
⚖️ ماذا يجب فعله الآن؟ خطوات إصلاح حقيقية
- تدقيق مالي مستقل: يجب تعيين شركة تدقيق دولية محايدة تقوم بمراجعة الحسابات من 2015 إلى اليوم.
- نشر التقارير للرأي العام: واجب الشفافية يحتم على الهيئة الحالية نشر البيانات المالية الكاملة، ومن خالف يُحاسب.
- تحرك قضائي وتنفيذي: النيابة العمومية مطالبة بالتدخل فورًا، بناء على الشكاوى الموجهة أو تقارير الرقابة المرتقبة.
- تفعيل دور المساهمين الحقيقيين: على جمهور النادي أن يتحوّل إلى قوة ضغط منظمة للمطالبة بالمحاسبة من داخل الجمعية العامة.
🎯 هل تتغير عقلية التسيير؟
النادي الإفريقي اليوم أمام مفترق طرق حاسم. إما أن يكون المشروع الإصلاحي الجديد بقيادة الهيئة الحالية مجرد "عملية تجميل" تمر مرور الكرام على أوجاع الماضي، أو أن يكون القطع الحقيقي مع منظومة الإفلات من العقاب، عبر فتح ملفات الفساد، وتحقيق العدالة المالية.
في النهاية، المعركة اليوم ليست فقط حول كرة قدم أو ديون، بل حول كرامة نادٍ كبير اسمه النادي الإفريقي، تستحق جماهيره الحقيقة لا التبرير…
فهل يتحرك القضاء؟
هل تتدخل الدولة؟
وهل تنجح الهيئة الجديدة في المصالحة مع الجماهير عبر المصارحة والمحاسبة؟
الأيام القادمة ستكون حاسمة.