تجد العديد من الأسر العربية المهاجرة صعوبة في مواصلة أطفالها تعلّم اللغة العربية، فيما يطالب الخبراء والمختصون بالحفاظ على اللغة الأم لأنها تظل حلقة الوصل الأهم مع الوطن الأصل ويشددون على ضرورة أن تنال حظها في المدارس الأجنبية مثلها مثل بقية اللغات الأخرى.
تونس - كشفت دراسات عديدة مهتمة بالجاليات العربية في الخارج عن أن بعض البلدان الغربية تدعم فكرة إدماج اللغة العربية في البرامج الدراسة للطلاب اقتداء بالعديد من التجارب مثل فرنسا التي أدرجتها كمادة رسمية بدءا من العام الدراسي الحالي، فيما يطالب العديد من المهتمين بشؤون الجاليات المهاجرة بدعم حظوظ اللغة العربية وإعطائها فرصا أكثر في المدارس الأجنبية.
وتهاجر اللغة مع الإنسان إلى حيث اختار وجهة الاستقرار النهائية. فهي وسيلته للتواصل مع العالم وفرض وجوده بأي مكان يختار التوجه إليه، لكنها أيضا تظل الجذع الرابط بينه وبين موطنه الأصلي وبلده الأم. المسألة غاية في الأهمية لجهة التوفيق بين اختيار العديد من أبناء المهاجرين من دول عربية تعلّم لغات أخرى تسهل تواصلهم داخل المجتمعات الغربية وبين الحفاظ على لغتهم العربية الأم التي ترعرعوا معها وأتقنوها ودرسوا ألفاظها.
وفي هذا الإطار يطالب العديد من أفراد الجاليات العربية بدعم حظوظ اللغة العربية في المدارس الأجنبية للجاليات المهاجرة، حيث يتم التركيز على تعليم اللغات الأخرى دون أن تنال اللغة العربية حظها، مما يجعلها مهمّشة في الجداول المدرسية للطلاب وأحيانا تكون مغيّبة من البرامج الدراسية لبعض المدارس مما يباعد بين الطلاب وبين هوياتهم.
لكن خلافا لهذه الآراء فإن بعض الدول الأجنبية، على غرار بعض المقاطعات الكندية، تحرص على تعليم أبناء الجاليات المهاجرة اللغة العربية لتسهيل اندماجهم وتواصلهم. وفي مقاطعات كندا المختلفة هناك الكثير من الجاليات التي تسعى إلى اعتماد تدريس لغاتها المختلفة بالمدارس الكندية حتى يتمكن أبناؤها من تعلم لغتهم الأم، فيما أصبحت هناك مقاطعات أخرى تسمح بتدريس الفرنسية والبرتغالية والصينية واللاتينية، لكن الأهم كان بالسماح بتدريس اللغة العربية في مقاطعة ألبرتا والتي نجح في تحقيقها أبناء المجتمع العربي الكندي.
ويقول عزالدين صندوقه، عضو الجمعية العربية وهيئة اللغة العربية بمقاطعة ألبرتا الكندية، “رحلتنا مع تعليم اللغة العربية في ألبرتا بدأت منذ عام 1982 بمدرسة واحدة فقط تدعى كولنكيري سكول، ووجدنا منذ ذلك الوقت نشاطا مميزا واهتماما كبيرا من الأسر العربية وأبنائها في تعلم اللغة العربية.. بعد ذلك وتحديدا في عام 1998 قررنا أن نقوم بالتواصل مع الوزارة المعنية بالتعليم في مقاطعة ألبرتا لكي يتم تعميم تعليم اللغة العربية إلى أن تمكنّا في أكتوبر الحالي من إصدار الإعلان الرسمي بالموافقة على تعليم اللغة العربية”.
ويضيف أن “السبب وراء السعي إلى الحصول على هذا القرار تمثّل في ازدياد أبناء الجالية العربية في ألبرتا، فقد وصل عدد الطلاب فيها إلى 7 آلاف طالب عربي، وقد كان تعليم اللغة العربية بالمقاطعة متاحا فقط في مدينة أدمنتون، هذه الأمور من ضمن أسباب كثيرة أخرى دعتنا لمواصلة الجهود للحصول على الموافقة على تعليم اللغة العربية بجميع مدارس المقاطعة”.
ويؤكد ذلك ما ذهب إليه المواطن التونسي رمزي البوهلالي المقيم بمقاطعة كيباك منذ العالم 2008 في اتصال مع “العرب” بأن تدريس اللغة العربية يكون أكثر في المقاطعات التي تكون فيها نسبة كبيرة من الجالية العربية، فيما تكون خارج البرامج الدراسية للطلاب في المقاطعات الفرنسية والإنكليزية.
ويقول البوهلالي “أنا حريص على أن يتعلم أبنائي اللغة العربية، كما أنهم أيضا مرسمون بنواد يتعلمون فيها أنشطة ترفيهية المقيمون عليها من أصول عربية”.
وفي فرنسا كان قرار وزارة التربية والتعليم بإدراج اللغة العربية بشكل رسمي في المناهج الدراسية للطلاب مع بداية العام 2017 قرارا جريئا يبرز أهمية هذه اللغة والمكانة التي تحظى بها في العالم.
وجاءت الخطوة الفرنسية أيضا استجابة للطلب المتصاعد كل سنة على تعلم اللغة العربية من قبل أبناء الجاليات العربية وكذلك من الفرنسيين أنفسهم، وهو ما يؤكد حاجة العديد من الدول لتعليم أبنائها اللغة العربية.
وقالت وزيرة التعليم الفرنسية نجاة فالو بلقاسم، ذات الأصول المغربية حينها، إن “تعليم اللغة العربية من الآن فصاعدا سيدمج داخل المنظومة التربوية والتعليمية الفرنسية”. أما في ألمانيا، البلد الذي يستقبل أكبر عدد من المهاجرين العرب، فيتواصل الجدل بشأن عزم بعض الولايات الألمانية تعميم تدريس اللغة العربية في مدارسها، إلا أن الواقع يشير إلى أن وضعية تدريس اللغة العربية ومدى استفادة الأطفال العرب منها في هذا البلد لا تزال تراوح مكانها، فيما يتواصل الجدل بشأن الصعود المدوّي لليمين الألماني وتأثيره على مستقبل الجاليات العربية المتواجدة هناك.
فلا توجد نيّة سياسية جدية لمواكبة هذا التغيّر الهائل وغير المسبوق في المشهد الديموغرافي الذي تعرفه ألمانيا حاليا بوصفها أكبر بلد أوروبي مستقبل للاجئين العرب.
ويؤكد خبراء على أن نصيب اللغة العربية في بعض المدارس بعدة دول لا يتعدى حصتين أسبوعيا أي حوالي ساعة ونصف في الأسبوع بالنسبة لطلاب المرحلة الابتدائية، وقد تزيد قليلا في المرحلتين الإعدادية والثانوية لتصل إلى ساعتين أسبوعيا.
وأشارت الوزيرة الفرنسية إلى أنه سيتمّ تقييم عمل المدرّسين كباقي الأساتذة للغات الأخرى، وسيحضرون دورات تدريبية وفق برنامج بيداغوجي محدد يسهر على تجهيزه مشرفون متخصّصون.
وقال بشير العبيدي، مدير المرصد الأوروبي لتعليم اللغة العربية في باريس، إن “الخطوة إيجابية جدا وتنمّ عن استعداد رسمي لإعطاء اللغة العربية مكانتها في فرنسا بعد تهميش طالها سنين عديدة”.
وفي تقرير صادر عن المعهد الفرنسي للاندماج لسنة 2015، فقد أقبل نحو 57 ألف تلميذ على تعلم اللغة العربية على أيدي 680 معلما من الجزائر والمغرب وتونس في إطار برنامج تعلّم لغات البلد الأصلي لسنة 2012.
أما في ألمانيا فتشير التقارير إلى أنه على الرغم من العدد الهائل للأطفال اللاجئين العرب في ألمانيا، فإن اللغة العربية بالمدارس الحكومية لا تدرّس سوى في ثلاث ولايات فقط من أصل 16 ولاية ألمانية.
لكن عموما ورغم الانتقادات الداخلية الموجهة لألمانيا ولسياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بخصوص ملف الهجرة، فإنها تظل البلد الأوروبي الذي يعطي أهمية لتدريس اللغة العربية مثل العاصمة الاتحادية برلين وهامبورغ التي انطلق تدريس العربية فيهما ابتداء من السنة الدراسية 2018/2017، لكن فقط في مدرستين حكوميتين، لكن الخبراء يؤكدون أن الحل الجذري يكمن في ضرورة إدماج مادة اللغة العربية في الحياة المدرسية كمادة إلزامية ليس فقط في الولايات الثلاث، بل وفي كل المدارس الألمانية التي بها كثافة عربية واضحة.
فالطابع الإلزامي لهذه المادة سيمكّنها من الناحيتين القانونية والإدارية من التواجد على نفس المرتبة مع باقي المواد المدرسية الإلزامية من المرحلة الابتدائية مرورا بالإعدادية وصولا إلى المرحلة الثانوية لتكون بذلك مادة أساسية من مواد امتحان شهادة الثانوية الألمانية للتلاميذ العرب.
ويرى مختصون في قطاع التعليم أن إدماج اللغة العربية في المحيط المدرسي بوصفها مادة إلزامية مازال بعيد المنال وتسعى إلى تحقيقه العديد من الأطراف المهتمة بالبرامج الدراسية للطلبة العرب في المهجر، لكنهم يؤكدون على أنه لا تراجع عن هذا المسار الذي يعدّ مقدمة لإدماج اللغة العربية وإدخالها في ثقافة المجتمعات الغربية لتبديد النظرة النمطية السلبية عن اللغة العربية كونها لغة أجنبية ولاجئة وهامشية لا حضور لها.