تونس تتمسّك باستمرار إغلاق الحدود إلى أجل غير واضح، ما يؤكد أن الجهات الرسمية التونسية لم تقتنع بالتطمينات التي حصلت عليها من الحكومة الليبية.
طرابلس- سعى عبدالحميد الدبيبة رئيس الوزراء الليبي المؤقت لتجنب ضغوط البرلمان بسحب الثقة من حكومة الوحدة التي يقودها، وذلك بالتصعيد مع تونس على خلفية غلق الحدود بسبب مخاوف تونسية من تسلل عناصر إرهابية وتنفيذ عمليات تستهدف أمن تونس.
وأكد الدبيبة في كلمة له مساء الجمعة أن الإرهاب قادم إلى ليبيا من الخارج، وأن الشعب الليبي شعب حرّ ولا يقبل اتهامه بالإرهاب، كاشفا عن أنه أرسل وفدا إلى تونس لتوضيح الموقف الليبي.
وقال “لن نقبل باتهامنا بالإرهاب.. أنتم من جلبتم إلينا الإرهابيين وحاسبوا أنفسكم قبل الاتهام. نحن شعب حرّ ولا يمكن أن نقبل اتهامنا بالإرهاب وأنتم حاسبوا أنفسكم يا من تتهموننا بالإرهاب”.
وألمح الدبيبة إلى أن السلطات الرسمية في تونس تبنت الاتهامات ضد الدولة الليبية، وقال “أرسلت وفدا كبيرا إلى تونس لنفهم كيف تم اتهامنا بالإرهاب”.
ولاحظ مراقبون ليبيون أن رد الدبيبة الذي وجه فيه اتهامات لتونس بشأن الإرهاب بدا متشنجا وغير دبلوماسي، وهو ما يظهر حرجا واضحا من إثارة ملف الإرهاب وسكوت الحكومة الليبية المؤقتة عن التقارير المختلفة التي تتحدث عن أنشطة وتحركات مشبوهة في بعض مدن الغرب الليبي.
وأشار المراقبون إلى أن حكومة الدبيبة وداعميها يعملون على تطبيع الأوضاع الحالية بما فيها الحفاظ على وجود الميليشيات المتعددة وبقاء المرتزقة الأجانب ويرون في إثارة الشكوك حول هذا الوجود وكأنها استهداف للحكومة وتشكيك في شرعيتها.
وقال هؤلاء إن ردة فعل الدبيبة على التقارير التي تحذر من استهداف تونس من بوابة الحدود الليبية تعطي مصداقية لتلك التقارير، متسائلين عن سر هذه الحدة في موقف رئيس الحكومة الليبية وهل تخفي تسترا على ما يجري من نفوذ متزايد للميليشيات والمرتزقة وتركيا تحت غطاء الاستقرار الحكومي.
وشددت تونس إجراءاتها الأمنية والعسكرية على حدودها الجنوبية الشرقية مع ليبيا وأغلقتها بشكل تام بالتزامن مع حديث الرئيس قيس سعيد عن وجود مخططات للاغتيال والقتل والدماء.
وحرص الوفد الوزاري الليبي الذي زار تونس منذ يومين على تأكيد أنّ الأمور جيدة بين البلدين، ونفى التقارير الخاصة بالإرهاب. لكن تونس تمسّكت باستمرار إغلاق الحدود إلى أجل غير واضح، ما يؤكد أن الجهات الرسمية التونسية لم تقتنع بالتطمينات التي حصلت عليها من الحكومة الليبية.
والجمعة الماضي مدّد قيس سعيّد بأمر رئاسي صدر في الجريدة الرسمية إعلان المثلث الحدودي الجنوبي منطقة حدودية عازلة لسنة إضافية بداية من التاسع والعشرين من أغسطس الحالي في مواصلة للقرار الصادر منذ العام 2013.
وأعلن الأحد الماضي عن إغلاق تام لمعبري رأس الجدير وذهيبة – وازن الحدوديين مع ليبيا رغم مساعي السلطات الليبية لفتحهما، وبررت الجهات الأمنية موقفها بالإجراءات الصحية المتخذة للوقاية من انتشار فايروس كورونا.
وترى أوساط سياسية ليبية مطلعة أن التصعيد الذي جاء في كلمة الدبيبة ضد تونس واتهامها بتصدير الإرهاب كان محاولة للهروب من الضغوط الداخلية ذات البعد الاجتماعي والصحي والمالي، وهي ضغوط ناجمة عن فشل الحكومة في توفير الوعود التي أطلقها الدبيبة.
وأضافت هذه الأوساط أن التصعيد مع تونس كان يحمل محاولة للاستقواء على البرلمان الذي يرفض المصادقة على الميزانية ويلوّح بحجب ثقته عن الحكومة، وهو ما عكسته تصريحات رئيس البرلمان عقيلة صالح.
وهاجم الدبيبة البرلمان واتهمه بعرقلة عمل الدولة برفضه المصادقة على الميزانية.
وقال إن أسباب مجلس النواب في شرق البلاد لعدم الموافقة على مقترحاته المتكررة للميزانية “غير حقيقية وواهية” وألقى باللوم على المجلس في عرقلة الانتخابات المقررة في ديسمبر المقبل.
وظهر الخلاف على الميزانية كعنصر أساسي في الخلاف المتزايد بين الفصائل السياسية المتنافسة مما قوض العملية التي تدعمها الأمم المتحدة والتي كان ينظر إليها على أنها أفضل فرصة لتحقيق السلام منذ سنوات.
وطالب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح هذا الأسبوع بمثول الدبيبة أمام المجلس المنتخب عام 2014 لاستجوابه بشأن أداء حكومته أو مواجهة تصويت بحجب الثقة.
وفي ظل حالة الجمود السياسي المتفاقمة يخشى العديد من الليبيين من أن تفقد العملية التي نجحت في تشكيل حكومة موحدة لأول مرة منذ سنوات زخمها.
وقد يؤدي الإخفاق في إجراء الانتخابات إلى إنهاء العملية السياسية وتفجير الصراع الذي دمّر مساحات شاسعة من المدن الليبية وجذب قوى خارجية كبرى وجعل للمرتزقة الأجانب موطئ قدم على طول الخطوط الأمامية.
وقال الدبيبة “مشكلة الانتخابات ليست لوجستية بل هي مشكلة تشريعية بحتة. نحن قدّمنا برنامجا لتسهيل العملية الانتخابية وتنفيذها”.