جبهة التحرير تراهن على سلال لقطع الطريق على طموحات أويحيى.
الجزائر - تضاربت القراءات في الجزائر حول الحرب الكلامية المشتعلة بين الذراعين السياسيين، التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني، خلال الحملة الدعائية للانتخابات التشريعية المقبلة، بين التكتيكات الانتخابية لاستقطاب أنصار الموالاة، وبين الحسابات المتعلقة بخلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة سنة 2019.
وأكد المكلف بالإعلام في حزب التجمع الوطني الديمقراطي بمكتب العاصمة عبدالحميد بلال، أن خطاب رئيس الحزب أحمد أويحيى يروج لبرنامج سياسي وانتخابي واضح المعالم والأهداف، وهو التزام من الحزب تجاه الجزائريين، لتمكينه من حساب من يعطيهم الثقة من مرشحي التجمع في البرلمان المقبل.
وأضاف: “برنامج الحزب ونشاط المرشحين والقيادات خلال الحملة الانتخابية، يعكسان الرصيد الذي يتمتع به التجمع، عكس بعض الأحزاب السياسية، سواء في المعارضة أوالموالاة، التي تتبنى خطابات جوفاء لا مصداقية لها لدى الرأي العام”.
وتابع “إذا كانت مواقف المعارضة واضحة فإن موقف الموالاة أبان إفلاسا سياسيا لافتا، ولم يعد أمامه غير التخفي في عباءة الرئيس بوتفليقة لإنقاذ وجوده السياسي من منافسين جديين”.
وكان أويحيى وجمال ولد عباس الأمين العام لجبهة التحرير (الحزب الحاكم)، قد تبادلا اتهامات صريحة خلال تصريحاتهما في بعض التجمعات الشعبية، ما أعطى الانطباع لدى المتتبعين بأن أضلاع معسكر الموالاة على وشك تصفية حسابات سياسية، تحسبا للاستحقاقات القادمة.
وفيما يروج أويحيى لبرنامج سياسي وانتخابي منفصل يتظاهر ولد عباس بالتمسك بعباءة بوتفليقة، في حين يمهد الطريق أمام رئيس الوزراء الحالي عبدالمالك سلال ليكون نزيل قصر المرادية القادم.
ومع تمسك ولد عباس بالتبني الصريح للبرنامج الذي أطلقه الرئيس بوتفليقة منذ مجيئه في 1999، واعتبر ذلك من قبيل ما أسماه بـ”الوفاء” للرجل و”الاعتراف” بما قدمه للبلاد، فإن أويحيى رد بأن “بوتفليقة رئيسنا جميعا”، لانتزاع ورقة التفرد من جبهة التحرير الوطني.
وأكد بلال أن “التجمع الوطني الديمقراطي عازم على إطلاق آليات جديدة لتنفيذ برنامج بوتفليقة، لأن الجزائر تمر بمرحلة حرجة”، وهي إشارة واضحة إلى تعثر برنامج الرئيس خلال السنوات الأخيرة.
وقال “هناك إنجازات كثيرة تحققت في مجالات كثيرة كالسكن والمنشآت والبنى التحتية والخدمات الصحية والتعليمية، لكن المشروع يتطلب آليات وديناميكية جديدة لتفعيل أدواته وتحقيق أهدافه”، ما يعطي الانطباع بأنه رغم شراكة الحزب للسلطة، إلا أنه غير مرتاح لوتيرة التنمية وتسيير مؤسسات الدولة.
وكان متصدر قائمة الحزب في العاصمة والرجل الثاني في القيادة المركزية الصديق شهاب قد أكد أن ظروف تأسيس الحزب في منتصف التسعينات أملتها المخاطر المهددة للدولة آنذاك من انحراف الممارسة السياسية، وتفشي ظاهرة الإرهاب.
وكان الرجل الأول في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم قد اتهم حزب أويحيى بـ”الحزب المفبرك”، في إشارة إلى ظروف نشأته، والنتائج التي حصل عليها في انتخابات 1997 بالتزوير والتلاعب بنتائج الاقتراع.
وألمح في تصريحات أمام قياديي الحزب ومرشحيه إلى أن الحزب سعى في منتصف التسعينات إلى “مسح جبهة التحرير الوطني من الخارطة السياسية، لولا صمود مناضليه وقيادييه”، في إشارة إلى الحملة السياسية والإعلامية التي أطلقت آنذاك لوضع الجبهة في المتحف، باعتبارها حزبا يحمل رمزية تاريخية.
وتضاربت القراءات المقدمة في أسباب وخلفيات التلاسن بين قطبي معسكر الموالاة، بين من يرجعها إلى “تكتيك انتخابي”، سرعان ما يتم احتواؤه بعد الموعد الانتخابي لأن مصلحة الرجلين والحزبين في الاستمرار كذراعين سياسيتين لسلطة الرئيس بوتفليقة، وبين من يرى أن المسألة تنطوي على حسابات سياسية حساسة تتعلق بخلافة بوتفليقة في ظل الطموحات غير الخفية لأحمد أويحيى في اعتلاء المؤسسة، وتمهيد حزب الأغلبية الحالي لمرشحه المستقبلي، وقطع الطريق على أويحيى.
وتتحدث مصادر سياسية في الجزائر عن أن القيادة الحالية في جبهة التحرير الوطني رغم تخفيها في عباءة بوتفليقة وطرح العهدة الخامسة كخيار قوي، إلا أن الكواليس تعمل على تمهيد الطريق أمام رئيس الوزراء الحالي عبدالمالك سلال لخلافة بوتفليقة.
وإذا كانت الانتخابات الرئاسية المنتظرة في 2019 ستجري لأول مرة بعيدا عن نفوذ جهاز الاستخبارات، الذي كان يوصف بـ“صانع الرؤساء”، فإن التراشق بين جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، حول منصب الرئاسة، قد يكونان من قبيل المعارك الهامشية، في ظل عدم وضوح موقف الفاعلين الحقيقيين حول خليفة بوتفليقة.
وذكر شهاب بأن “ما جاء على لسان ولد عباس هو عملية اجترار لطبخة هضمت منذ 20 سنة، فكيف لحزب أسسته كل القوى الحية التي رفضت الرضوخ للتطرف والإرهاب، من مناضلين في جبهة التحرير الوطني نفسها، ووزير المجاهدين ورئيس منظمة أبناء الشهداء، والاتحاد الوطني للعمال الجزائريين، وغيرهم أن يكونا مفبركا”.