محاولات قيادات النهضة التقليل من شأن الاستقالات الداخلية تكشف عمق المأزق.
يواجه راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب في تونس جبهتين في وقت متزامن، أولهما داخل حركته التي تشكو من تصدعات تنذر بمستقبل قاتم لهذه الحركة التي لطالما تفاخرت بتماسكها والتزام أعضائها على عكس بقية الأحزاب التونسية، فيما الجبهة الثانية التي وجد الغنوشي نفسه في مواجهتها داخل البرلمان هي مطالبة بمساءلته بشأن لقاء سابق جمعه في أنقرة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو السبب ذاته الذي جعل الجهود تحشد من أجل سحب الثقة منه.
تونس - لم يعد الحديث عن انقسامات وتصدعات في صفوف حركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي، مجرد تقديرات أو استنتاجات أملتها التحليلات، وإنما أصبح حقيقة واضحة وجلية، تتزايد مؤشراتها التي لا تترك المجال للشك بأن هذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين دخلت في مأزق مُتعدد الأوجه يشي بانهيارات تنظيمية مُتسارعة.
وتؤكد الاستقالات التي تتالت بشكل لافت، والتفاصيل المُلحقة بها، أن مأزق هذه الحركة جعلها تتدحرج بسرعة نحو الدخول في مرحلة التفكك التدريجي، مثلها مثل بقية تنظيمات الإخوان المسلمين سواء أكانت في مصر أو الأردن، أو غيرهما من الدول العربية الأخرى، التي عصفت بها رياح عاتية بعثرت صفوفها وجعلت نشاطها ينكفئ في مربعات ضيقة داخل الغرف المُغلقة.
وأعلن العضوان في مجلس شورى حركة النهضة، هشام العريض نجل القيادي البارز بالحركة علي العريض، وزياد بومخلة، الثلاثاء، عن استقالتهما من الهياكل التنظيمية لحركة النهضة، وذلك في تطور يُرجح أن تليه تطورات مُماثلة في قادم الأيام ارتباطا بما تعيشه هذه الحركة من متاعب داخلية مُتراكمة، وأخرى لها صلة بحسابات المؤتمر العام الذي يسعى راشد الغنوشي إلى تأجيل موعده.
ونشر هشام العريض نص استقالته في صفحته على موقع “فيسبوك”، لافتا إلى أنها تأتي بعد 10 سنوات انخراط في صلب الهياكل التنظيمية لحركة النهضة، دون أن يكشف عن أسباب هذه الاستقالة، التي تلتها بعد ساعات قليلة من الإعلان عنها، استقالة ثانية قدمها زياد بومخلة الذي امتنع هو الآخر عن كشف أسبابها وقال إنه “يحتفظ بها لنفسه”.
وأثارت الاستقالتان جدلا مازال متواصلا على الساحة السياسية والحزبية وعلى مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، لم تُبدده مُحاولات البعض من قادة حركة النهضة التقليل من وقعه، منهم علي العريض نائب راشد الغنوشي، الذي أعرب عن أسفه قائلا في تصريح إذاعي إنه لم يتحدث معهما بعد عن أسباب استقالتهما لكنه يعلم أنهما أعربا عن قلقهما منذ فترة.
وعكست هذه المحاولة التي جاءت على لسان نائب رئيس الحركة الإسلامية عمق المأزق وحالة الاضطراب التي تعيشها النهضة، لاسيما وأن الاستقالتين سبقتهما استقالة لافتة ومدوية، هي استقالة أمينها العام زياد العذاري في شهر ديسمبر الماضي، التي هزت أركان هذا التنظيم الذي يرأسه راشد الغنوشي منذ أكثر من 30 عاما.
وقبل ذلك، كان القيادي لطفي زيتون قد استقال من منصبه كمستشار سياسي لرئيس الحركة راشد الغنوشي، ثم تلتها بعد أسابيع قليلة استقالة القيادي زبير الشهودي من الهياكل القيادية للحركة، وهو الذي عمل مديرا لمكتب الغنوشي لأكثر من ثلاث سنوات.
وعلى وقع هذه التطورات، اعتبر عضو المكتب السياسي لحركة التيار الشعبي التونسي محسن النابتي أن هذه الاستقالات التي تعصف بحركة النهضة كانت “منتظرة جراء الوضع العام الذي وصلت إليه تونس تحت حكم النهضة الذي دخل عامه التاسع على التوالي، ونتيجة لتعاطي هذه الحركة مع شركائها السياسيين، حيث تحولت إلى ما يشبه الكابوس لكل من يتعامل معها نظرا لوفائها لنهج الإخوان المسلمين الذين يبدلون أصدقاءهم مثلما يبدلون ملابسهم”.
وقال النابتيإن تلك الاستقالات “كانت متوقعة أيضا بالنظر إلى تبعية قرار حركة النهضة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وإلى الطبيعة العائلية للحركة، حيث تهيمن عليها عائلة الغنوشي وأصهاره وأبناؤه، وعائلة آل العريض وغيره، ما يعني أن دورها سيتقلص وستنفض من حولها الكثير من العناصر التي جاءتها إما طمعا في السلطة وإما لحماية نفسها”.
وفي كل الأحوال، زعزعت هذه الاستقالات أركان هذه الحركة الإسلامية، خاصة وأنها تسببت في تصدع الجناح المحسوب على راشد الغنوشي، الذي بدأ يهتز على وقع تزايد الانتقادات الموجهة له، وسط ارتفاع للأصوات المُطالبة بسحب الثقة من رئيس البرلمان نتيجة سياساته الخاطئة وتفرده بالرأي، حيث يُرجح أن تتسع دائرة تلك الأصوات والانتقادات مع تزايد الحديث حول مساع يقوم بها الغنوشي للتمديد في فترة رئاسته للحركة.
ورد القيادي في حركة النهضة عبدالحميد الجلاصي، المحسوب على ما يُسمى داخل حركة النهضة بـ”التيار الإصلاحي”، على تلك المساعي بالقول، تصريحات سابقة، إنه”لا مجال للحديث عن التمديد للغنوشي رئيسا للحركة، خاصة أنه يتولى رئاسة البرلمان، وأنه من شبه المستحيل الجمع بين هذه المهمة التي وصفها بالجسيمة وإدارة شؤون حركة بحجم النهضة”.
وبين المعلن والمخفي في علاقة بهذه الاستقالات، تؤكد القراءات أن تتاليها بهذا الشكل يؤشر أولا إلى أن الخناق بدأ يضيق حول عنق راشد الغنوشي، وثانيا أن تصدعات هذه الحركة الإسلامية ستتواصل، لتجعلها أمام تحولات ستبعثر صفوفها.
الجمعي قاسمي
صحافي تونسي