لم تنجح مساعي حركة النهضة في استثمار توقيف البحيري للهجوم على الرئيس قيس سعيد وعلى الإجراءات المتخذة في 25 جويلية.
تونس- ربطت أوساط سياسية تونسية قرار رفع الإقامة الجبرية عن القيادي في حركة النهضة نورالدين البحيري بتشكيل مجلس أعلى للقضاء جديد، مشيرة إلى أن الإعلان عن هيئة قضائية ذات مصداقية سهّل على السلطات اتخاذ قرار رفع الإقامة الجبرية عن وزير العدل الأسبق مقدمة لإحالته على أنظار القضاء.
وقالت هذه الأوساط إن مشكلة البحيري كانت معقدة، فالقضاء رفض توجيه اتهامات للقيادي البارز في النهضة ما قاد إلى تزايد الشكوك في أن هذا الموقف موقف سياسي وليس قضائيا، معتبرة أن المجلس الأعلى للقضاء في هيئته السابقة تعامل مع الموضوع من منظور لي الذراع مع الرئيس قيس سعيد الذي نادى بإصلاح قطاع القضاء ورفض أن تتحول سلطة الهيئات القيادية إلى دولة داخل الدولة.
ولم تستبعد أن يعود التردد في توجيه تهم للبحيري خلال أكثر من شهرين على توقيفه -بالرغم من حديث وزارة الداخلية عن “شبهات إرهاب جدية” في ملفه- إلى ما يتهم به وزير العدل في حكومة الترويكا من ممارسة نفوذ واسع داخل قطاع القضاء، وأن قيس سعيد كان يحتاج إلى الوقت لتفكيك هذا النفوذ والإعلان عن مجلس أعلى للقضاء ذي مصداقية ثم إطلاق سراح البحيري وترك مصيره للقضاء الذي بدأ يتحرر من الضغوط والتعليمات والأجندات السياسية.
واعتبرت الأوساط ذاتها أن السلطات تجد نفسها الآن مرتاحة للقضاء في وضعه الجديد من أجل معالجة ملف البحيري من جميع جوانبه، وهو ملف ثقيل خاصة في ظل الاتهامات التي توجه له من دوائر مختلفة من بينها هيئة الدفاع عن المعارض السياسي شكري بلعيد الذي تم اغتياله في فبراير 2013 في ظل حكومة الترويكا.
وتم توقيف البحيري (63 عاما) والموظف السابق بوزارة الداخلية فتحي البلدي (55 عاما) في الحادي والثلاثين من ديسمبر الماضي ووضعا تحت الإقامة الجبرية على خلفية “شبهات إرهاب”، حسب وزارة الداخلية.
وقالت وزارة الداخلية في بيان الثلاثاء إنه تقرر رفع الإقامة الجبرية “تبعا لوجود أبحاث متخذة ضد الشخصين المعنيين حتى يتولى القضاء إتمام ما يتعين في شأنهما من أبحاث وإجراءات عدلية” وكذلك إثر إرساء المجلس الأعلى المؤقت للقضاء.
وأكدت الوزارة أن الإقامة الجبرية “كانت في احترام تام لحقوق الإنسان من حيث السماح بالزيارة والإقامة”.
وأعلن وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين مطلع يناير الماضي في مؤتمر صحافي أن هناك “شبهات إرهاب جدية” في ملف توقيف البحيري والبلدي وأن “الأمر يتعلق بتقديم شهادات الجنسية وبطاقات هوية وجوازات سفر بطريقة غير قانونية”، مضيفا أن من بين الأشخاص فتاة من أبوين سوريين.
ونشر حزب النهضة مقطع فيديو على صفحته الرسمية يظهر سيارة إسعاف تنقل البحيري إلى منزله بالعاصمة تونس وكان في استقباله رئيس الحزب راشد الغنوشي الذي قال “تونس لا تحتاج إلى الانتقام بل إلى الحوار”. وأضاف الغنوشي “الحمد لله على الحرية ونأمل إخراج تونس من مرحلة الظلم والانتقام والتشفي للحوار والتسامح… تونس تحتاج جميع أبنائها”.
وقال سمير ديلو محامي البحيري “سوف نلاحق قضائيا من احتجز البحيري خارج القانون”.
وظهر البحيري في حالة وهن وبدا أنه فقد كثيرا من وزنه بسبب إضراب جوع خاضه منذ نحو 65 يوما للمطالبة بإطلاق سراحه. وتم نقل البحيري خلال توقيفه إلى مستشفى حكومي في محافظة بنزرت (شمال) وأكد حزب النهضة في الكثير من المرّات أن وضعه الصحي متدهور “وشارف على الموت”.
وسعت حركة النهضة لاستثمار توقيف البحيري للهجوم على إجراءات الخامس والعشرين من يوليو التي اتخذها قيس سعيد وكان من أولى خطواتها تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب. ويعتبر البحيري الذراع اليمنى للغنوشي، فهو من مهندسي تحالفات النهضة مع حزب نداء تونس بعد انتخابات 2014 ومع قلب تونس بعد انتخابات 2019. كما أن إشرافه على وزارة العدل مكنه من بناء شبكات معقدة في القضاء وكانت وراء الاتهامات الموجهة له بالسيطرة على هذا القطاع الحيوي، وأعطت مبررا قويا للرئيس سعيد للتمسك بإصلاح القضاء.
وعين الرئيس التونسي الاثنين بديلا مؤقتا عن المجلس الأعلى للقضاء في البلاد بعد شهر من حله للمجلس السابق. وأدى القضاة أعضاء الهيئة المؤقتة الجديدة اليمين الاثنين في قصر الرئاسة.
وقال قيس سعيد “نحن نخوض معا حربا بلا هوادة ضد الفاسدين وضد من يريد إسقاط الدولة؛ نحن نخوض معركة تحرير وطني في إطار القانون”.
وذكر الرئيس سعيد أن إجراءاته الأوسع نطاقا مؤقتة وينبغي تنفيذها لإنقاذ تونس ممن يعتبرهم نخبة فاسدة تخدم مصالحها.
وبموجب المرسوم الذي تشكل المجلس على أساسه الشهر الماضي يحق لقيس سعيد الاعتراض على أي ترقية أو ترشيح لأي قاض، كما أنه هو المسؤول عن اقتراح إصلاحات قضائية. وليس للمجلس الجديد مدة محددة.