الثقافة الشعبية لأمة أو شعب ما، هي القاعدة التي تنبني عليها مسارات الثقافة كافة، وتقترب في توصيفنا لها، من مكانة الجذر وقيمته، فالشيء الذي لا جذر له لن يتمتع بالامتداد والتواصل والمطاولة، ومع ذلك ينظر بعض المثقفين بعين التعالي الي الثقافة الشعبية، متناسيا جذره وقاعدته التي يستند إليها سواء وافق علي ذلك أم رفض.
الإشكالية التي تحدث بين المثقف والثقافة الشعبية، تنشأ من حالة يعيشها المثقف نفسه، وهي في الغالب لا تتسق مع الصفة التي يحملها، أعني صفة المثقف، هذه الحالة تتمثل بالشعور الذي يستهين بالثقافة الشعبية، بمعني أوضح أن المثقف يعيش حالة من التعالي علي الثقافة الشعبية، لا تستند الي حقائق تطبيقية مؤكَّدة، في وقت ينبغي عليه أن يعترف بالعمق الثقافي له ممثلا بثقافته الشعبية.
وطالما أن الاساس والجذر للثقافة عموما يبدأ من الثقافة الشعبية، فإن رعاية الفلكلور وما ينتجه من مسارات متنوعة، تعد من مهمات المثقفين، ولا يصح إزدراءها ولا الوقوف ضدها او الانتقاص منها، بحجة انتمائها للخرافة وما شابه، فالخرافة سلوك واضح يتقاطع مع العقل كليا، ولا يتمتع بقاعدة أساسية تسنده، سواءا كانت فكرية او عرفية أو سلوكية، علي العكس من الثقافة الشعبية والفلكلور عموما، فهي نتاج إنساني يفرض احترامه علي الامم والشعوب كافة، ومن باب أولي يفرض احترامه علي شعبه وأمته ومثقفيه قبل غيرهم.
هناك من يعيب علي الثقافة الشعبية اقترابها من التبسيط والوضوح، واستخدام الاساليب التي تبسّط أدوات التوصيل، وبينما تعد ميزة التبسيط من أهم ميزات الفلكلور الشعبي، فإن بعض المثقفين يعد ذلك بمثابة النقص، فيشكل عنده دافعا للازدراء والتكبّر الأجوف، إذ من الغرابة بمكان أن نلاحظ اهتماما كبيرا للشعوب المتطورة بثقافاتها الشعبية، في حين نحن نهشم هذه الثقافة ونهزأ منها في كثير من الاحيان، ونلصقها بالخرافات في الغالب، كما يحدث بالنسبة للطقوس الدينية التي تمارسها شعوب الارض كافة، سواء كانت تنتمي الي المتقدمين او المتأخّرين، فالصينيون كما نعلم لهم طقوسهم الدينية وأنشطتهم الفلكلورية الشعبية الكثيرة، كذلك الحال مع المسيحيين واليهود، أما الامريكيين وهم علي قمة هرم التحضّر، فهم يحترمون ثقافتهم الشعبية ويسمحون بممارستها، بل يزدرون اشد الازدراء من يقف ضدها او يمنعها او ينتقص أصحابها والقائمين بها، وهناك حزمة قوانين وضعية تحاسب علي منع ممارسة الطقوس وانماط الثقافات الشعبية، فهي بالنسبة لهم حق واضح يدخل ضمن الحقوق والحريات، ولا يجوز بأي حال المساس بها او منعها، أو حتي التعالي عليها.
لدينا يختلف الامر، بعض مثقفينا ما أن يكتب مقالة او فكرة او بحثا او دراسة معينة تصب في الحداثة وما بعدها، حتي ينقلب الي منظّر في تقصير الثقافة الشعبية، وحصرها في خانة الماضي، في حين يتوجّب إظهار الجانب الجيد الذي تنطوي عليه ثقافتنا الشعبية، لا أن يتم التركيز علي جانبها المشوّه، وكل الثقافات تنطوي علي جانبين احدهما جيد ينتمي الي الجانب الانساني السليم، والاخر علي العكس من ذلك، فلماذا التركيز علي الجانب السلبي، ولديك كنوز ثقافية شعبية تستحق أن يُشار لها بالبنان؟!.
جريدة الزمان اللندنية