منذ أن اندلعت الثورة التونسية إلى اليوم شاهدنا مشهدا سياسيا تونسيا متقلب الأطوار يصل إلى الكاريكاتير أحيانا، فشاهدنا عودة الإسلاميين الذي كانوا يكوّنون الخطر الأكبر للنظام السابق ويسحب لهم ألف حساب لأسباب عديدة لا يتفق عليها حتى الإخوة لا فقط الإخوان.
النهضة هذا التنظيم المحسوب على الإخوان المسلمين عاد بقواعده وقياداته وتحصل على ترخيص قانوني في فترة تولي الباجي قايد السبسي رئاسة الحكومة سنة 2011 وتقدم للانتخابات البرلمانية ليحصل على اكبر مقاعد في البرلمان ويتصدر سدة الحكم لفترة مؤقتة كادت تدوم طويلا بشراكة مع حزب المؤتمر من اجل الجمهورية الذي ترأسه محمد المنصف المرزوقي وحزب التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات برئاسة مصطفى بن جعفر في تحالف الترويكا..
الفترة الانتقالية كادت أن تدوم طويلا لان حكّام البلاد في تلك الفترة مارسوا سياسة الحكم الدائم وبدأ الحديث عن برامج لعشر سنوات قادمة ونسوا أن الثورة قامت ضد الديكتاتورية والحزب الواحد لا أن نعوّض التجمعيين بالإخوان وشركائهم.
النهضة عرفت بانضباط قواعدها حزبيا، واستفادت من عديد شرائح الشعب التونسي الذي لا يفقه في أمور السياسة بدعوى أن الحركة الإسلامية ستفرش الأرض وورودا والسماء طيورا وتفتح أبواب الجنة لمنتخبيها وللأسف انطلت الحيلة على شريحة كبيرة رشحت النهضة بأغلبية بعد إقصاء العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية الذي أصبح فيما بعد تيار المحبة.
النهضة تحالفت مع المؤتمر من اجل الجمهورية ونصبت محمد المنصف المرزوقي رئيسا للجمهورية بصلاحيات تكاد تكون معدومة، كما تحالفت مع التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات ونصّبت السيد مصطفى بن جعفر رئيسا للمجلس الوطني التأسيسي في مهمة أولى وهي كتابة دستور الجمهورية الثانية الذي ولد بعد طول مدة حمل قبة باردو.
فترة حكم الترويكا شهدت عديد الأحداث الكبرى والتي لا يمكن أن تنسى في تاريخ تونس، كالاغتيالات السياسية لأسماء أحبها الشعب من مختلف الانتماءات وعلى رأسهم شكري بلعيد و الحاج محمد البراهيمي ولا يشك احد في نزاهتهم ومواقفهم.
الاعتداء على المحتفلين في عيد الشهداء بشارع بورقيبة من طرف رابطات حماية الثورة التي كانت محمية من الحكومة ورئاسة الجمهورية.
الاعتداء على قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل على عتبة مقرهم لاختلافات اجتماعية بين النقابيين وأعضاء الحكومة.
التهديد السحل و خروج مناصري الحكومة في رد على المناداة بإسقاط حكومة العريض.
بعد اعتصام الرحيل خرجت الترويكا من القصبة تاركة المكان لحكومة جديدة ترأسها السيد المهدي جمعة الذي تم تعيينه من طرف الرباعي الراعي للحوار...
لكن السؤال المطروح لماذا صمدت النهضة واضمحل المؤتمر والتكتل؟
الإجابة فقط النهضة تتحالف مع أحزاب لتمسح في ردائها أخطاءها دون تقاسم الغنائم، معتمدة في ذلك على انضباط قواعدها الحزبية.
بعد انتخابات 2013 رجعت النهضة ثانية في ترتيب الأحزاب لكن هذه المرة الدور كان على نداء تونس الذي تحالف مع النهضة و تنكر لحلفائه في اعتصام الرحيل ويصبح النضال في زمن الترويكا جريمة في زمن النداء والنتائج واضحة أمامكم، علما أن الباجي قايد السبسي هو من قاد اعتصام الرحيل وتأسست حركة نداء تونس لتكون الحزب الذي ينافس النهضة ووضع فيه عدد كبير من الناخبين التونسيين ثقتهم لعدم عودة الإسلاميين، لكن قيادات النداء وقعت في فخ سابقيها.
حركة النهضة تأكل كل حزب يتحالف معها وهذا بالأدلة و لا شك فيه، حتى أنصار الشريعة المحظور الذي يقوده أبو عياض ومصنف إرهابي حاليا –النهضة من صنفته- دافعت عنه النهضة ومشتقاتها لم يعد يذكر اسمه إلا في الاعتداءات الإرهابية، ورابطات حماية الثورة التي رتعت في البلاد طولا وعرضا وتصدرت الشاشات واستقبلت في قصر قرطاج لا تذكر إلا في المحاكم.
ضحايا النهضة كثر عددهم وها هي الحركة اليوم تتنصل من انتمائها للإخوان المسلمين بين اختلاف قواعدها وقياداتها بالفصل بين السياسي والدعوي.
هنا نكتشف الازدواجية في الخطاب و التخلي عن المبادئ ليبقى المبدأ الوحيد: الحكم
فما هو المخطط القادم يا ترى؟
أم تكون النهضة ضحية نفسها؟