استفاقت البارحة الأغنية التونسية من غفوتها التي امتدت منذ أواخر الثمانينات.. وكان لمسرح قرطاج شرف إعادة بريقها بعرض صنديدة للفنان الأصيل رؤوف ماهر... أستمعت لهذا الصوت لأول مرة ذات مساء في مكالمة هاتفية بينه وبين الفنان الشاب عماد ابن ربوع الحامة عندما كنا بصدد التحضير لانتاج ألبوم غنائي أغلب أغانيه من كلماتي وهو ألبوم"سمحه" 2006 .. غنى لي رؤوف وقتها مقطعا من موال عراقي فأعجبت أيما إعجاب بآداءه الخرافي وحنجرته الذهبية، فقد جمع صوته النغم البدوي والمقام العراقي الأصيل .. ومن يومها تنبأت للرجل بنجاح يملأ الدنيا ويشغل الناس وبدأت خطواته تتسارع نحو طابع خاص به ..
وقد كانت له تجارب في أغان انتجها بلون مشرقي أظهرت روعة صوته ولكنها لم تميزه عن غيره حتى وجدته يلقى ضالته مع فريق من الكتاب والملحنين وبدأ شيئا فشيئا يشد الأنظار وتفرد في اللون الجنوبي بعد غياب لعماد الغيلوفي (الشاب عماد) وبلقاسم بوڨنه بسبب مرضه شفاه الله وسطع نجم رؤوف رغم غياب دعم الاعلام له وعدم الانتباه لتجربته المتميزة وصنع لنفسه طريقا في وسائل التواصل الاجتماعي وبلغ مبتغاه دون مساعدة أحد غير فريق آمن معه بالحلم وحارب المستحيل ليكون وكان ...وفي ظرف وجيز بات حديث القاصي والداني لنظافة كلمته المغناة ورقة لحن نغماته حتى لامس قلوب التونسيين والمغرب العربي ثم زاد تعلق الناس به لما لامسوه من مواقف إنسانية رائعة جسدها في حفلاته بلا ماكياج ولا اصطناع ..تكلم كما يتكلم أهله وقال أهازيجهم كما تقال دون تهذيب كما فعل بعض الفاشلين وأصبح رقما صعبا في معادلة النجاح ..أرقام قياسية في قناته على اليوتيوب وضجيج لا يكف في بقية وسائل التواصل الاجتماعي مع شباب أحبوه وآمنوا بالحلم وبأعماله الناجحة. نال الليلة تاج قرطاج بعد تعب وتضحيات لا يصفها مقالي هذا ولو حاولت...نجح رؤوف بصدقه وأصالته واجتهاده وتحسر أغلب الإعلاميين الذين تجاهلوه في بداياته وأعاد الأغنية التونسية لموقعها في اكبر مسارحنا ...أنه يصنع الحدث بتونسنا وجنوبنا ..بنا نحن جمهورا ونقادا.
رؤوف رسمنا كما نحن بفنه...كي نرانا كما نحن تونسيون حتى النغم...ونام على نخوة الأصالة مطمئنا حالما.
لم أجد لنجاحه الليلة من عنوان سوى أنه وطن للوطن الذي كاد يفقد هويته وتاريخه...اجتهادك أطربنا وأطرب عمودنا الفقري كما تقول صديقتي الفنانة الرائعة لطيفة القفصي.