في زمن حيث تتداخل الحقيقة مع العبث، يطل علينا المخرج التونسي وليد الدغسني بعمل مسرحي جديد ومثير تحت عنوان "وصايا الديك"، ليكشف النقاب عن حقائق مريرة بأسلوب ساخر وعبثي. المسرحية تستمد إلهامها من الواقع التونسي الراهن، حيث يضع الدغسني مجتمعه تحت المجهر، ليعالج تداعيات الأحداث السياسية والاجتماعية الأخيرة بأسلوب كوميديا سوداء، تقدم نقدًا لاذعًا للوضع الحالي.
مقالات ذات صلة:
مسرحية "شكون" لمحمد شوقي خوجة تتوج بجائزة أفضل أداء نسائي في مهرجان الإسكندرية المسرحي
مهدي بن عبد الجواد: نجم مسرحي جديد يتألق بعد التتويج بمسرحية 'بعد نص الليل'
مسرحية '(مـ)جرد موظف' تحصد الإشادات في مهرجان تنيور بالشيحية: تألق فني على كل الأصعدة
تدور أحداث المسرحية حول شخصين يعيشان في عزلة بعد انقراض البشرية نتيجة لوباء غامض. ومن خلال محاكاة ساخرة وثنائية "السيد والخادم"، يعيش هذان الشخصان داخل فضاء عبثي، حيث يختلقان أحداثًا وأدوارًا غريبة يومًا بعد يوم لملء فراغ الحياة. في هذا الجو الغريب الذي يشبه فوضى الواقع، تتجسد معاناة التونسيين مع قضايا السلطة والهوية والانقسام الاجتماعي، لتتحول المسرحية إلى مرآة تنعكس فيها مشاكل المجتمع.
أسامة كوشكار ومنير العماري، اللذان يجسدان الشخصيتين الرئيسيتين، يقدمان أداءً مذهلًا يجعل من هذا العمل تحفة فنية. تتناول المسرحية قضايا عديدة من بينها التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة التي طرأت على تونس بعد الثورة، وتساؤلات عن مصير الإنسان في ظل هذه التغيرات.
هذا العمل يبرز مرة أخرى تألق فرقة كلندستينو، التي عُرفت بإنتاج أعمال مسرحية سياسية جريئة وساخرة. وبعد غياب دام سنوات، تعود هذه الفرقة لتضع بصمتها في المشهد المسرحي التونسي، لتؤكد أن المسرح ليس مجرد منصة ترفيهية، بل أداة قوية للنقد الاجتماعي والتأمل في القضايا الكبرى.
"وصايا الديك" لا تتوقف عند مجرد الترفيه، بل هي دعوة للتفكير العميق في وضع تونس الحالي. تساؤلاتها الساخرة عن السلطة، المستقبل، والإنسانية في عالم يبدو في حالة فوضى، تجعل منها عملًا فنيًا ذا أبعاد متعددة، حيث تترك المسرحية المشاهد في مواجهة تساؤلاته الخاصة حول مستقبله ومجتمعه.
في عالم عبثي حيث تختلط الحدود بين الواقع والخيال، تجسد "وصايا الديك" الصراع الأبدي بين الحرية والسلطة، العبث والمعنى، الفناء والبقاء.