بعد عملين من جنس النثر وهما "الأزهر...الجنرال الفارس"و"حنبعل...الفرار الأخير"الصادرين سنة 2020 ومجموعتيه"لست أرى في النساء سواك"و"إلياذة تونس"الصادرتين سنة 2021 وروايته "أنطالاس"و مجموعته الشعرية "دراكولا الحب"الصادرتين بالجزائر سنة 2022 ومجموعته "كل النساء...أنت"الصادرة سنة 2023 صدرت مؤخرا عن دار وفاء للنشر المجموعة الشعرية"المسافة صفر"للشاعر وليد السبيعي وهو من مواليد سنة 1979 بالكاف وطبيب أسنان متخرّج سنة 2005 من كلية طب الأسنان بالمنستير.
مقالات ذات صلة:
أخطاء في كتاب التاريخ لتلاميذ السنة الخامسة ابتدائي ومطالب بتصحيحها
الشمس عملاق أحمر: كتاب يفتح آفاقًا جديدة بين العلم والدين
سليم بن إسماعيل... قلم مبدع ينتظر الدعم ليعيد إشعاع كتابة السيناريو
وجاءت هذه المجموعة في 91 صفحة ضمت بين دفتيها 31 نصا أدبيا مهداة كلها الى "الصامدين على آخر الأسوار.... بدمائهم يردّون مغول العصر..."
وإذ تنحت هذه النصوص من صميم واقع مرير يعيش على ايقاعه الحزن الشعب الفلسطيني وفي ايجاز وتكثيف شعري يختزل هدير الموت ونبض الحياة ومن خلال مشاهد متضادة تمنح النصوص بُعدًا ملحميًّا يتجانس صوتيا ويتماثل تركيبيا ويتقابل دلاليا مع بعد غنائيّ اخر ُ يجمع بين ثنائيّة الموتِ والحياةِ في لغةٍ إيقاعيّةٍ تتعاضد فيها الوظيفةُ التّأثيريّةُ والوظيفة الإنشائيّة باعتماد إيقاعِ الحروفِ و التّوليدِ اللّفظيِّ بما يشكلِ نواحا وندبا على مآل القضية الفلسطينية وعذابات أبناء غزة وعبر إيقاع جنائزيّ حزين ومن خلال صورٍ تجسّدُ فاجعةَ الموتِ والفقدِ و الوَجَعِ والألمِ فالشاعر اختار ان يكون لنصه معنى ومن منطلق قناعته انه لا معنى للكتابةِ و للإبداعِ مطلقا إنْ هو تخطّى الواقعَ وأقصاه.
كما تأخذنا هذه المجموعة في رحلة تبدأ واقعية حوارية عن ثنائية الحب والحرب والمعادلة الصعبة بين اليومي المتعوّد والألم والتشرّد وعذابات الذات وأوجاع التّاريخِ لتنتهي ملحمة شعرية تؤسس لأسطورة المارد الفلسطيني ويوغل النص الشعري في السرد وهو يروي حكاية الحياة اليوميّة للفلسطينيّ في شكل درامي حواري أقرب الى السينما والصورة التي جعلت مما يحدث في غزة هوليودا جديدة وخالدة عرى بها الشاعر زيف هوليود ونفاق الغرب، وهنا تكمن قدرة الشاعر على صياغة نص جامع بين الفنون الشعرية والسردية الروائية والسينمائية الفرجوية لان عذابات الفلسطينيين أكبر من أن يعبّر عنها شكل ابداعي واحد قد لا يكفي لاستيعابها نظرا لجسامتها وهولها ليتمكّن الشاعر من خلال مجموعته هذه من تحويل الوجع الفلسطيني الى أسطورة ملحمية تختزل الصراع الأزلي بين قُوَى الحياةِ وقُوَى الموتِ ذلك انه كما قال عن هذه المجموعة الناقد "رضا الجبالي"في عصر التّغييبِ القسريِّ ومحاولاتِ القطعِ الجماعيّةِ يُكتَبُ الشّعرُ ليبقى ويخلُدَ".
لقد تمكّن الشاعر وهو جرّاح أسنان من خلال هذه المجموعة أن يرتق آلام الفلسطينيين وأن يغرس فيهم جرعة أمل بالانتصار مستعملا لا الادوات الطبية بل أدوات شعرية خاصة به لم نعهدها في مجموعات شعرية مماثلة بالجمع بين الشعرية والسردية والتصوير الحيّ عبر الكلمات للآلام والامال وهو ما يغري بمزيد استقراء هذه المجموعة التي جاء غلافها هدية من الرسامة الفلسطينية منال القدومي وهي حاليا طبيبة أسنان في فرنسا وقد سبق لها ان درست طب الأسنان في تونس،وهي مجموعة نشرت لتوزع مجانا وليست للبيع لقناعة الشاعر وليد السبيعي أن القضية الفلسطينية ليست مطية لربح المال.
منصف كريمي