بعد أن تلاشت صدمة التصويت الأولى هناك العديد من وجهات النظر المتباينة حول ما سيحدث لبريطانيا (بريطانيا العظمى والمملكة المتحدة).
تنبأت المختصة بريادة الأعمال في مجلة فوربس الأمريكية، إليزابيث ماكبرايد لمدينة دبي بأخذ حصة لا بأس بها من المكاسب التي ستفقدها أسواق لندن المالية عقب انسحاب الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، هذا إن لم تحظَ “بكامل المركز المالي السابق للندن”.
وقالت ماكبرايد في مقالها “إن من أوائل المقابلات التي أجرتها في منطقة الشرق الأوسط كانت مع السيد مو غاشم الرئيس التنفيذي لمؤسسة (شوب جو)، وهي مؤسسة تعمل على مساعدة الأعمال الصغيرة على إنشاء تجارتها عبر الإنترنت.”
ووفقا للكاتبة فقد تحدث غاشم عن خططه وآماله لهذه المؤسسة، والتي تعتبر واحدة من قصص النجاح الكثيرة في الشرق الأوسط على الصعيد التقني، فبداية تأسيس المؤسسة كان في عمان ومن ثم تم إنشاء فرع آخر في دبي والآن في لندن والهدف الرئيس كان الاكتتاب العام في بورصة لندن.
ولم يجد غاشم صعوبة في دخول لندن حيث وجد العديد من الشركات الجديدة ترحب به بما يتماشى مع اعتقاده أن لندن تعتبر الأقرب إلى الأسواق في بلاده ومن السهل الاندماج فيها.
وتعتبر لندن مركز “ربط ماليّ” بين العالم المتقدم والأسواق الصغيرة الناشئة، وذلك بفضل قرب موقعها الجغرافي من إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا إضافة إلى الروابط التاريخية التي تملكها لندن مع هذا الجزء من العالم.
وتختار العديد من الشركات المسجلة، سوق لندن المالي للعمل، كون القوانين البريطانية تسهل الصفقات التي تتم داخل الأسواق الناشئة. إضافة إلى أن الكثير من الشركات الكبيرة والصغيرة مثل شركة “شوب جو” تتخذ من لندن مدخلا إلى باقي المدن الأوروبية والتي تعتبر أسواقا أكثر ألفة من تلك الموجودة في الولايات المتحدة.
أسواق لندن ربما.. إلى زوال
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، بحسب ماكبرايد، هو هل ستحافظ لندن على مكانتها هذه بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟، وماذا إذا تعرضت للاهتزاز فمن الذي سيحل محلها؟ هناك هونج كونج طبعا، وربما سنغافورة وهناك أيضا مدينة دبي التي تتميز بموقع جغرافي مركزي وبصلات قوية في كل من آسيا وإفريقيا.
وتضيف الكاتبة “لقد قمت سابقا بالكتابة عن تجاهل وعدم تقدير معظم رجال الأعمال الأمريكيين لمدينة دبي.”
والآن وبعد أن تلاشت صدمة التصويت الأولى هناك العديد من وجهات النظر المتباينة حول ما سيحدث لبريطانيا (بريطانيا العظمى والمملكة المتحدة)، ورغم الآراء حول الركود التجاري الحاصل ومستقبله، وتضرر الاقتصاد البريطاني، إلا أن الكاتبة لا تعتقد بأنها ستكون سيئة الى الدرجة التي تظهرها بعض التنبؤات.
وبدأت بعض البنوك الكبرى فعلا بالحديث عن نقل بعض عملياتها المالية خارج لندن. ومن المعروف أن القطاع المالي من أكثر القطاعات التي تخضع للقوانين الصارمة والمنظمة في أي بلد في العالم، ولديه حساسية مفرطة تجاه الخضوع للمزيد من القوانين. وشركات الخدمات المالية عادة ما تبحث عن مقر آمن لها يمكنها من هيكلة آخر صفقاتها التجارية الحديثة للحصول على مزايا ضريبية أفضل.
فإذا كانت لندن فعلا قد بدأت بفقدان بريقها المعتاد فهل ستستطيع دبي أن تقف كواحدة من المراكز المالية أكثر مما فعلت حتى الآن؟ بالنسبة للكاتبة، ترى الأمر مرجحا بشكل كبير، رغم أنه قد لا يبدو ظاهرا لمنافسي دبي الآسيويين، إلا أن دبي ستقوم بالاستفادة من خسارات لندن.
فقد أعلن مركز دبي المالي العالمي وهو منطقة حرة خاصة للأعمال تقع في وسط المدينة، عن نية دبي جذب أكبر ألف شركة من الشركات العالمية للعمل والاستثمار فيها، وضمن ميزانية عمومية تتجاوز مبلغ 400 مليار دولار إضافة إلى 50 الف من القوى العاملة. في نفس الوقت فقد قامت دبي بالعمل على مطارها الدولي والذي بات يفوق مطار هيثرو في لندن كأكثر مطارات العالم ازدحاماً.
إن المحاور المالية تجذب رواد الأعمال الذين هم بحاجة إلى رؤوس الأموال والمعرفة بالقطاع المصرفي. ودبي بالنسبة للوافدين من رواد الأعمال تعتبر سابقة للندن أساسا.
وبحسب تقارير بنك “اتش اس بي سي” فإن 87% من العمالة الوافدة-والتي لها أراؤها الخاصة حول امكانية البدء بالأعمال التجارية في هذه البلاد- تعتبر سنغافورة من أفضل الأماكن لبدء الأعمال التجارية، تليها دبي (86%) بينما حصلت هونج كونج ولندن على نسبة 85% لكل منهما. هذا مقارنة بالمعدل العالمي البالغ حوالي 56%.
وبالطبع فإن هذه الأرقام لا تعتبر احصائية، ولكن يبدو أن التنافس بين المدن بات شديدا، الأمر الذي يتجعلنا نتجه للأسواق الناشئة وهذا ما تتميز به دبي ويجعلها منافسة قوية.
وتذكر الكاتبة في النهاية بوجود واحد من الأسواق الذي يحتل المرتبة الأولى بلا منازع “سوق نيويورك”، وهو أكبر سوق للأوراق المالية ومسقط رأس اثنين من أكبر البنوك الاستثمارية في العالم، إضافة إلى كونه عاصمة صناديق التجارة الاحتياطية في العالم. وقد كانت المدينة الوحيدة المنافسة له هي مدينة لندن ولكن يبدو أن لندن تحتاج إلى عمليات تصحيح جديدة كليا.
ولا يسعنا في النهاية إلا أن نذكر بأنه من الممتع أن نشاهد كيف تشكلت النخب العالمية، ومن ضمنها القيادات السياسية، أصحاب الآراء وخبرات رجال الأعمال القوية وكيف كانت ردود أفعالهم تجاه الانسحاب، بعض النخب كانت تراه أمرا يتعلق بالديمقراطية . ولكن يبدو أن الأمر يتعلق بالقضية الكلاسيكية للأثرياء ، فالأشخاص ذوو النفوذ يتصرفون بعقلانية بدلا من مجابهة الحقيقة المرة بأنهم قد يكونوا ظالمين؟ عبر جني الأرباح من نظام يجعل الملايين من الطبقات المتوسطة في البلدان المتقدمة يشعرون بالاحباط، حبسب ما ختمت الكاتبة مقالها.