اختر لغتك

هل الفرنكوفونية لغة أم سياسة؟

هل الفرنكوفونية لغة أم سياسة؟

يقول الكاتب الفرنسي أونيزيم ريكلوس: "إن أفضل رد لفرنسا على صراع القوى السائد في العالم في أواخر القرن التاسع عشر هو سلاح اللغة". وكان هذا اللغوي البارع يحرّض بحماس شديد لتوسع فرنسا في أفريقيا بأسلوب لغوي بالغ التأثير. لعل هذا الكاتب الفرنسي كان يتنبأ بقيام الفرنكوفونية الدولية كسلاح ثقافي ولغوي في يد فرنسا. لكن دعوته الاستعمارية لم تقم على دوافع تجارية وعرقية، بل على بواعث لغوية وديموغرافية.

 

والفرنكوفونية، بمعناها البسيط، تفيد مجرد التحدث باللسان الفرنسي. لكنها تحمل دلالة أخرى تفيد مجتمعات الناطقين بالفرنسية سواء أكانت لغتهم الأم أم لغة اختاروها لغايات تعليمية أو إدارية أو غير ذلك، أياً كانت انتماءاتهم العرقية والدينية. ثم ما لبثت الفرنكوفونية أن ضمّت دولاً من القارات الخمس بلغ عددها 54 دولة وحملت معنى سياسياً حين أنُشئت المنظمة الدولية للفرنكوفونية.

ثمة اليوم نحو 200 مليون بشري يتكلمون الفرنسية من دون أن تكون بالضرورة هي لغتهم الأم. ليست الفرنسية اللغة الأم في فرنسا إلا لـ82% من سكانها، وفي كندا تبلغ هذه النسبة 23,2%، وفي بلجيكا 41% وسويسرا 18,4%، كما تبلغ 58% في إمارة موناكو. ولا يزيد عدد الذين يتكلمون الفرنسية بوصفها لغتهم الأم على 75 مليون شخص، فإذا أُضيف اليهم الذين يتكلمونها بوصفها اللغة الأم أيضاً في جزر الأنتيل (غوادلوب، مارتينيك، دومينيك، هايتي...الخ) والولايات المتحدة وصل العدد الى 110 ملايين فرنكوفوني.

 

في العام 1970 أنشئ المجلس الأعلى للفرنكوفونية ثم ما لبث الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران أن دعا في العام 1986 الى أول "قمة فرنكوفونية" جمعت في فرساي رؤساء الدول الناطقة جزئياً أو كلياً بالفرنسية (41 رئيساً). في العام 1997 أطلق على هذه القمة اسم "المنظمة الدولية للفرنكوفونية" وكان أول رئيس لها هو بطرس غالي، الذي شغل قبل ذلك منصب أمين عام الأمم المتحدة. وأول قمة فرنكوفونية تعقد في بلد عربي كانت في بيروت العام 2002 وجاءت في أعقاب حوادث أيلول 2001 فاقتصرت أعمالها على إدانة الإرهاب.

وجاء في دراسة لمؤسسة الفكر العربي: على الرغم من أن الهدف المعلن لهذه المنظمة هو دعم العلاقات الثقافية الفرنكوفونية، فإن بعض المراقبين انتقدوا تحولها أداة للعمل السياسي المباشر، وانتقدوا بخاصة حركة الترجمة من اللغات الأخرى داخل البلدان الفرنكوفونية الى اللغة الفرنسية من أجل إتاحة الفرصة أمام كتّاب هذه البلدان بلغاتهم الأصلية ليطلّوا بنتاجهم الأدبي والفكري والفني (بما في ذلك الأعمال السينمائية والمسرحية) على العالم عبر منبر اللغة الفرنسية واتهموا حركة الترجمة تلك بأنها تتم وفقاً لمعايير سياسية تعتمد في انتخاب نوع معيّن من ذلك النتاج الفكري والأدبي دون غيره خدمة للمصالح الفرنسية في العالم.

وعلى أي حال، بعض الدول الأعضاء في الفرنكوفونية ليست فرنكوفونية، ففي القمة التي عقدت في جزيرة سان موريس (1993) انضمت الى المنظمة دول غير فرنكوفونية، مثل غينيا الاستوائية وغينيا بيساو ورومانيا وبلغاريا وألبانيا وملدافيا ومقدونيا وبولونيا. وفي القمة الفرنكوفونية الثانية عشرة التي عقدت في كيبيك (2008) حضرت 54 دولة في العام 2007 أُنشئت في المنظمة الفرنكوفونية "خلية تفكير استراتيجية" مهمتها التفكير بالقضايا الآتية: الهوية الفرنكوفونية في زمن العولمة، أوروبا والفرنكوفونية، حوار الحضارات، الهجرات في العالم، الصناعات الثقافية والتعليم. الدول الأعضاء في الفرنكوفونية هي 54 دولة، بينما الدول المراقبة عددها14 دولة. والدول المراقبة هي الدول التي تثبت أن لها فوائد حقيقية تجنيها من الفرنكوفونية وتبذل جهوداً مقنعة بأنها تنمي استعمال الفرنسية على أراضيها، أما شرط الدولة العضو فهو أن تجعل الفرنسية لغتها الرسمية أو لغة التعليم فيها. بعض الدول، مثل أرمينيا وقبرص، وغانا، لها صفة الدول المتعاونة فحسب.

يقول المدافعون عن الفرنكوفونية إنها منظمة متنوعة متعددة اللغات لأن عضويتها لا تقتصر على البلدان الناطقة جزئياً أو كلياً بالفرنسية فقط، فهي تضم أيضاً بلداناً غير فرنكوفونية راغبة في التعاون التربوي والتعليمي والثقافي والتقني والعلمي. كما أن بعض الدول الأعضاء تسودها ثنائية وأحياناً ثلاثية لغوية... وفي معظم البلدان تواجه الفرنسية منافسة شديدة إزاء الانكليزية والعربية والاسبانية... وإنما التشديد على الفرنسية متأت من كونها لغة تواصل جامعة لاأكثر، حتى في بلدان لا تلعب فيها تلك اللغة سوى دور ثانوي، مثل بلغاريا ورومانيا ولاوس ومصر ولبنان الذي يشهد تعليم اللغة الفرنسية فيها تراجعاً واضحاً.

شهدت الفرنكوفونية تطورات حولتها خلال تاريخها الطويل من أداة ثقافية سياسية في يد فرنسا تستخدمها خدمة لمصالحها، في المرحلة الأولى من وجودها، الى أداة بدأت تدريجاً تنتقل في المرحلة الثانية الى يد الدول الأخرى وأكثريتها الساحقة من العالم الثالث (الأفريقي والعربي) حتى بات البعض يستخدم عبارة: "الفرنكوفونية ضد فرنسا".
السؤال الآن إذا كانت القوى الكبرى المهيمنة ثقافياً تسعى لاستخدام الانكليزية والفرنسية كإحدى أدوات العولمة الثقافية فكيف يمكن لنا كعرب أن نحافظ على وجودنا اللغوي من دون أن نفقد الفرص التي تتيحها لنا العولمة؟


جريدة المستقبل اللبنانية

 

آخر الأخبار

قيس سعيّد يشدد على ضرورة تأمين العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين

قيس سعيّد يشدد على ضرورة تأمين العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين

إصابة جديدة لنيمار خلال مواجهة الهلال واستقلال طهران بعد عودته الطويلة

إصابة جديدة لنيمار خلال مواجهة الهلال واستقلال طهران بعد خيبته الطويلة

وفاة جندي أمريكي بعد إصابته خلال مهمة إنسانية قبالة ساحل غزة

وفاة جندي أمريكي بعد إصابته خلال مهمة إنسانية قبالة ساحل غزة

القبض على شخص بتهمة زراعة "الماريخوانا" في منزل تميم بنية الاتجار

القبض على شخص بتهمة زراعة "الماريخوانا" في منزل تميم بنية الاتجار

إيقاف الوزير الأسبق سمير بالطيب ومسؤولين في قضية "هنشير الشعال" بصفاقس

إيقاف الوزير الأسبق سمير بالطيب ومسؤولين في قضية "هنشير الشعال" بصفاقس

Please publish modules in offcanvas position.