ارتسمت ابتسامة أمل على وجه الطفلة كنزة ذات 12 ربيعا وهي تتسلم اليوم باقة من الورود في جناح جراحة الأطفال بالمستشفى الجامعي فطومة بورقيبة بالمنستير لتهنئتها بنجاح عملية زرع كبد من متبرع حي خضعت لها يوم 3 مارس 2023 وأعادت لها الأمل بمواصلة حياة عادية وتحقيق حلمها في أن تصبح يوما فنانة تشكيلية كبيرة.
غادرت كنزة، التي تدرس بالسنة السادسة إبتدائي بولاية بن عروس، المستشفى أين غمرها الإطار الطبي وشبه الطبي والعملة بفيض من العناية والمحبة طيلة فترة إقامتها فيه، وقد أصّروا على إلتقاط صور تذكارية مع هذه الطفلة التي لم تقتصر مشاعر السعادة والفرحة عليها وحدها بل كانت تغمر والدتها وكلّ ممثلي الإدارة الجهوية للصحة بالمنستير والإطار الطبي وشبه الطبي.
وتقول إيناس والدة كنزة إنّ رحلة الإعداد لزرع كبد لإبنتها انطلقت منذ سنة 2021، وقد كانت طيلة هذه المدّة مطمئنة باعتبار نجاح العمليات السابقة المماثلة، وهو ما أكده لها أولياء سبق لهم التبرع لأطفالهم والذين شجعوها على المضي قدما في هذه العملية، ليتحقق بذلك حلمها في أن ترى ابنتها معافاة مجددا.
وأكّدت أن الإطار الطبي وشبه الطبي جعل من عملية استئصال جزء من كبدها وزرعه لإبنتها كنزة عمليّة يسيرة، معربة عن امتنانها لهم جميعا للرعاية التي حظيت بها هي وابنتها خلال تواجدهما بالمستشفى.
وبنبرات ملؤها الرضى والفرح، يؤكد رئيس قسم جراحة الأطفال بالمستشفى الجامعي فطومة بورقيبة البروفسور محسن بلغيث أن إعادة الإبتسامة إلى ثغر مريض يمثّل أفضل هدية لجيش الرحمة، فما بالك لو كانت ابتسامة طفلة كانت حياتها مهددة وأصبحت اليوم "معافاة وستستعيد نشاطها الحياتي العادي وخاصة دراستها التي انقطعت عنها منذ أكثر من شهر تقريبا".
وإلى غاية اليوم، نجح فريق طبي متعدد الاختصاصات في انجاز15 عملية زرع كبد للأطفال، وذلك في إطار الشراكة بين المستشفي الجامعي فطومة بورقيبة بالمنستير ومستشفى نيكار الأطفال المرضي بباريس في فرنسا، وضمن برنامج زرع الكبد لدى الأطفال بالمستشفى الجامعي فطومة بورقيبة بالمنستير، والذي يعدّ الوحيد على المستوى الإفريقي، ويشمل إنجاز مجموع 30 عملية زرع كبد يحقّق بعدها الفريق الطبي متعدد الاختصاصات استقلاليته التامة ولن يحتاج إلى مرافقة فريق فرنسي، علما وأن نسبة استقلاليته بلغت إلى حدّ الآن 70 في المائة، حسب ذات المصدر.
واعتبر بلغيث أنّه بإتمام 30 عمليّة زرع كبد يكون الفريق الطبي قد اكتسب الخبرة الكافية، حيث تتواصل الجهود منذ سنوات لتكوين الأطباء الشبان المختصّين في زراعة الكبد والعمليات المعقدة ذات العلاقة بالكبد، وهو ما يمثل نقطة قوّة في هذا البرنامج، مشيرا إلى أنّ قسم جراحة الأطفال يتوفر على عدّة اختصاصات أخرى من بينها جراحة الأورام، وجراحة الرضيع، وجراحة المجاري البولية.
ولا يتجاوز عدد الأطفال الذين في حاجة إلى زرع كبد سنويا 10 حالات في كامل الجمهورية غير أنّ القسم في حاجة إلى إعادة تهيئته لتحسين الإقامة والمعدات الطبية به حتى يتسنى للعاملين فيه مواصلة زرع الأمل في نفوس العديد من الأطفال المرضى من تونس وخارجها.
وفي ذات السياق، أكد المدير الجهوي للصحة بالمنستير، جوهر المكني، لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن وزارة الصحة تعمل مع الإدارة الجهوية للصحة بالمنستير وبالتعاون مع الإدارة العامة للصحة على تطوير الطب الدقيق وبعض الاختصاصات كإعادة تفعيل زراعة الكبد، وتسعى إلى تقدم هذا المجال والذي لا يمكن أن يتحقق إلا بفضل الكفاءات الطبية وهي كفاءات عالمية يمكنها تقديم خدمات صحية كانت سابقا غير متوفرة للتونسيين ويتم اللجوء للخارج للانتفاع بها.
واعتبر أنّ النجاحات المسجلة بالمستشفى الجامعي فطومة بورقيبة هي نتاج عمل فريق طبي يحمل رغبة في الارتقاء بالخدمات الصحية بجهة المنستير ووطنيا، لافتا إلى أن الإدارة الجهوية للصحة بالمنستير والمستشفى الجامعي فطومة بورقيبة بالمنستير بصدد الاستعداد لإدخال اختصاص زراعة النخاع الشوكي لدى الأطفال الذين يعانون من نوع من الأمراض السرطانية وستنطلق أوّل هذه العملات خلال السنة الجارية.