رئيس حركة النهضة يثير جدلا واسعا في تونس وسياسيون يؤكدون أن الحركة لم تتخلص من 'فكر الجماعة'.
تونس - أثار راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة مجددا جدلا واسعا في الساحة السياسية التونسية عبر تصريح جديد أكد فيه الأحد على هامش نشاط حزبي في محافظة باجة (شمال غرب) أن كل من يعتبر أن حركة النهضة ليست حزبا سياسيا أو يتهمها بالإرهاب إنما يراهن على حرب أهلية، وهو تصريح تم تأويله على أنه تلويح قوي من النهضة بالالتجاء إلى خيار العنف في مواجهة محاولات عزلها سياسيا.
وجاء التصريح، الذي كشف عن أن الغنوشي قد فقد أعصابه، كرد على زياد لخضر نائب الجبهة الشعبية (أقصى اليسار) الذي أكّد في برنامج تلفزيوني خلال إحياء الذكرى الخامسة لاغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد أن النهضة تُغالط الشعب وأنها لم تفصل بين الدعوي والسياسي.
ووصف سياسيون ومراقبون تونسيون تصريح الغنوشي بالخطير لما تضمّنه من تلويح باللجوء إلى العنف لفرض بقاء حركته طرفا مؤثرا في المشهد السياسي، لافتين إلى أن التصريح يحمل أكثر من رسالة لأكثر من جهة سياسية خاصة للشريك الحكومي نداء تونس وللرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في ظل حديث متزايد عن أن النداء يعتزم فك تحالفه مع النهضة والبحث عن تحالف أوسع لقوى مدنية ووسطية تلتقي معه في المقاربة الاجتماعية والاقتصادية للخروج من الأزمة التونسية.
ولوح المنذر بالحاج علي، النائب بمجلس نواب الشعب، عبر الإذاعة الرسمية التونسية بمقاضاة رئيس حركة النهضة إن لم يتراجع عما جاء في تصريحه الخطير، مؤكّدا أنه سيتوجه إلى القضاء الدولي إن لزم الأمر.
وعلى عكس تبريرات بعض قيادات النهضة التي اعتبرت مرّة أخرى أن التصريح أسيء فهمه، رأى سياسيون تونسيون في تصريحات لـ”العرب” أن في تصريح الغنوشي تأكيدا جديدا على عدم تخلّص حركة النهضة من “فكر الجماعة” وآلياتها المعهودة في فرض رأيها على الآخرين عبر التلويح بخيارات عنيفة لإجبارهم على القبول بالنهضة شريكا في السلطة.
وقال حمّة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لـ”العرب” إن ما صرح به الغنوشي، وإن كان غير مستغرب، فإنه خطير جدا وغير مسؤول لما تضمّنه من تهديد واضح لكل من يخالف رأي حركة النهضة.
وأضاف الهمامي أن “الغنوشي أكّد مرة أخرى أن فكر حركته لا يقوم على صراع الأفكار بقدر ما يرتكز على الالتجاء إلى العنف في محاولة يائسة لتخويف الخصوم السياسيين”.
وشدّد على أن التهديد المبطّن لرئيس حركة النهضة ليس موجّها للجبهة الشعبية فحسب بل فيه محاولة لإرباك وتخويف وترهيب كافة النسيج المجتمعي بأحزابه وبمعارضيه وبمجتمعه المدني.
ومما يثير مخاوف التونسيين أن تصريح الغنوشي جاء بعد يوم فقط من تهديد حركة النهضة في بيان رسمي لها بمقاضاة وسائل الإعلام والصحافيين على خلفية ما اعتبرته مشاركة في حملات تشويه وتحريض ضدها وضدّ قيادييها لدى فتح العديد من الملفات ومنها المساهمة في خلق مناخ مناسب للإرهاب وشبكات تسفير الشباب إلى بؤر التوتر ومصادر تمويل الحركة المثيرة للجدل منذ عام 2011.
واعتبر أحمد نجيب الشابي، رئيس حزب الحركة الديمقراطية في تصريح لـ”العرب”، أن في تصريح الغنوشي مصادرة لحرية التعبير التي أهدتها ثورة يناير 2011 لجميع الفاعلين السياسيين بما في ذلك حركة النهضة.
وقال الشابي وهو أحد المدافعين التاريخيين عن الاعتراف بالنهضة “إن تصريح الغنوشي يعد خطرا على أهم مكتسبات الشعب التونسي وتهديدا حقيقيا للتجربة الديمقراطية التونسية”.
وأشار بعض المراقبين إلى أن تصريح الغنوشي الجديد هو بمثابة ورقة ضغط جديدة تؤكّد أن الحركة بدأت تفقد أعصابها أولا بسبب تخوفها من أن تعصف بها الرياح الإقليمية التي بدأت تحاصر الإسلام السياسي في المنطقة، وثانيا لخوفها من أن يبحث الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن شريك جديد في الحكم إلى غاية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في العام 2019.
وقال الصحبي بن فرج النائب بالبرلمان عن كتلة الحرة لـ”العرب”، “إن حركة النهضة وتحديدا رئيسها الغنوشي عادة ما ينتهج تصريحات غامضة يمكن له تكييفها كيفما شاء، لكن من الواضح أن في تصريحه الأخير رسائل مبطّنة مفادها إما الاعتراف بحركة النهضة حزبا سياسيا وإما الالتجاء إلى الحرب الأهلية”.
واستبعد بن فرج أن يكون وراء تصريح الغنوشي بداية لتحريك قواعد حركته نحو العنف، قائلا إن “تصريح رئيس حركة النهضة لا يتجاوز إثارة فرقعة جديدة في محاولة لجذب الأنظار إليه ولرصّ صفوف قواعده وإرضائهم بالخطاب الذي يستهوونه (خطاب وحدة الصف ضد العدو الداهم) منذ نشأة التيار الإسلامي بتونس خصوصا أن أنصاره تشتتوا بعد انتخابات عام 2014.
وشدّد بن فرج على أن مواقف حركة النهضة في المدة الأخيرة عبر البيانات الرسمية أو من خلال تدخلات قيادييها الإعلامية تؤكّد شدّة تخوفها من أن تلقى نفس مصير التيارات الإسلامية في المنطقة خصوصا أن الحركة بدأت تستنفد الرصيد الذي حاولت ترويجه بأنها حزب مدني مختلف تماما عن تنظيم الإخوان المسلمين.
ورجح المراقبون أن تكون تصريحات الغنوشي المتواترة والمثيرة للجدل ممنهجة ومدروسة باعتبار أنه أصبح يتعمّد في بداية كل سنة رمي قنبلة إعلامية جديدة لإثبات وجوده ولرص صفوف أنصار حركته.