رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة تدخل في صدام مع البرلمان التونسي حيال شرعية التمديد لها.
تونس - تعهدت رئيس هيئة الحقيقة والكرامة في تونس اليوم الأربعاء بالاستمرار في أعمال الهيئة بشأن العدالة الانتقالية رغم تصويت البرلمان بعدم التمديد لها ما ينذر بأزمة جديدة في البلاد.
وقالت رئيسة الهيئة سهام بن سدرين، الناشطة المعارضة لحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، في مؤتمر صحافي، إن الهيئة ملزمة بتطبيق القانون والاستمرار في أعمالها، كما نأت بنفسها عن الجدل الدائر في البرلمان حول مدى شرعية وقانونية التصويت على التمديد للهيئة.
وأضافت أن "الهيئة ملتزمة بتطبيق القانون واستكمال المسار وإرجاع الحقوق إلى الضحايا وجبر الضرر وتقديم مقترحات للإصلاح وعدم التكرار".
وقالت "لسنا طرفا في الجدل داخل البرلمان بشأن قانونية عملية التصويت، الجدل لا يزال مستمرا، عندما يتم الحسم في هذه النقطة سنأخذ ذلك بعين الاعتبار".
ويخول قانون العدالة الانتقالية للهيئة بالتقصي في انتهاكات الماضي في فترة تمتد بين عامي 1955 و2013 بهدف الوصول في نهاية المطاف إلى المصالحة الوطنية، لكن بن سدرين اتهمت مؤسسات الدولة بعدم التعاون في مدها بالوثائق والنفاذ إلى الأرشيفات.
وكان البرلمان صوت بمن حضر في الجلسة العامة الاثنين ضد التمديد للهيئة بعد نقاشات صاخبة.
وأغلب من صوت ضد التمديد للهيئة من حزب حركة نداء تونس، الذي يضم كوادر من النظام السابق ويقود الائتلاف الحكومي إلى جانب بعض أحلافه، بينما انسحب نواب حركة النهضة الإسلامية وممثلي المعارضة عن التصويت للاحتجاج، ولكن أيضا لإعاقة التصويت عبر افقاده النصاب القانوني لعدد النواب.
وتنذر هذه الخطوة بأزمة قانونية وسياسية في تونس ليس بين الهيئة والبرلمان فقط ولكن داخل الائتلاف الحكومي نفسه بين العلمانيين والإسلاميين بسبب اختلاف موقفيهما من رئيس الهيئة.
ويرى مراقبون أن كل المؤشرات تدل على أن ما تم تحت قبة البرلمان عكس معركة سياسية ستدور بين فريقين أساسيين؛ الأول وطني مدني حداثي ديمقراطي، والثاني بقيادة حركة النهضة التي لم تتردد في العودة إلى مربع المظلومية والتهديد المُبطن، والاصطفاف مع حلفاء الأمس، الذين حكمت معهم البلاد خلال فترة الترويكا التي امتدت من العام 2011 إلى نهاية العام 2013.
وبدأت ملامح هذه المعركة تتبلور وسط الاتهامات المتبادلة بين الفريقين المذكورين، وعلى وقع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية الهامة، لكن ذلك لا يمنع القول إن التوافق بين حركتي نداء تونس والنهضة الإسلامية يبقى محكوما بعوامل وحسابات أخرى تجعل مآلاته ضبابية لا سيما في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة التي تمر بها البلاد.
ولا يزال الجدل مستمرا حول مدى قانونية التصويت ومصير الهيئة التي بدأت مهامها قبل أربع سنوات ويفترض أن تنهي أعمالها رسميا مع نهاية شهر مايو دون اعتبار التمديد لمدة عام آخر.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت نتيجة التصويت ستكون نافذة ونهائية في وقت تفتقد فيه الدولة إلى محكمة دستورية للفصل في هذا الإشكال.
ويدور الخلاف بشكل أساسي حول منهجية عمل الهيئة، وتعرضها إلى مسائل حساسة وخلافية في تاريخ البلاد الحديث، ولا سيما فيما يرتبط بفترة حكم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة باني دولة الاستقلال منذ خمسينيات القرن الماضي.
وقال النائب حسن العماري عن حزب حركة نداء تونس إن "الهيئة حادت عن مسارها، كان يفترض أن تجمع بين التونسيين. العدالة الانتقالية في تونس جاءت معاكسة لتجارب سابقة في العالم".
ويتهم النداء، الذي يقدم نفسه امتدادا للحركة الوطنية التي نشطت ضد حكم المستعمر الفرنسي وحاملة لواء فكر بورقيبة، بن سدرين بعدم الحياد ومحاباة الإسلاميين ودفع البلاد إلى الفتنة.
وقدم سجناء سياسيون من التيار الإسلامي في جلسات انصات علنية لهيئة الحقيقة والكرامة شهادات عن أعمال تعذيب وقمع خلال حكم بورقيبة الذي انتهج سياسة متشددة ضد معارضيه.
وقال فتحي العيادي النائب عن حزب حركة النهضة الإسلامية إن "العدالة الانتقالية قضية وطنية، نحتاج للهدوء والحوار ومزيدا من الوقت لكي ننجح، الجرح ما يزال غائرا والقضية حارقة".
كما عرضت الهيئة وثائق قالت إنها تثبت استمرار استغلال المستعمر الفرنسي السابق لثروات تونس بمقابل زهيد في قطاعات الغاز والنفط والملح، ونفت السفارة الفرنسية صحة ما ورد في تلك وثائق.
واعترض العشرات من المؤرخين في تونس في عريضة، على أعمال الهيئة واتهموها بـ"التضليل".
وقالت بن سدرين في الندوة الصحافية "لن يكون من السهل اجهاض مسار العدالة الانتقالية، هناك أغلبية من الشعب تريد هذا المسار، الشعب لن يسمح لأي كان بأن يكون وصي عليه".
وأضافت "من الضروري مساءلة المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان طيلة 58 عاما وجبر الضرر، الهيئة مطالبة بمعالجة الماضي بطرق سلمية".
وأفادت الهيئة بأنها تلقت أكثر من 62 ألف شكوى وتقصت في أكثر من 52 ألف ملف، واستمعت إلى 49 ألف ضحية منذ بدء أعمالها ، كما أوضحت أن ما يفوق 21 ألف ضحية تقدموا بطلبات الصلح، وكانت موجهة في أغلبها إلى وزارة الداخلية.
وقالت رئيس الهيئة "آن الآوان اليوم لأن تعتذر الدولة عن جرائم حدثت باسم الدولة على أيدي موظفين من اغتصاب وتعذيب ، وترد الاعتبار الى الضحايا حتى نصل إلى الصلح".
وأوضحت أيضا "من يرفض الاعتذار سنحيل ملفه إلى القضاء، ليس لدنيا خيار آخر، سنحيل بعد أيام ملفات العشرات الذين أذنبوا في حق الشعب".