مراقبون يرون أن المناظرة التلفزيونية كان لها الفضل في ترجيح كفة سعيّد الذي بدا خلالها واثقا ومقنعا أمام منافسه القروي الذي فقد تركيزه.
تونس - فاز أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية في تونس متقدما بفارق كبير على منافسه رجل الأعمال نبيل القروي الذي ألقي باللوم على قرار حبسه في خسارته الانتخابات، وفق نتائج استطلاعات الرأي.
ونال قيس سعيّد 76,9 بالمئة من الأصوات مقابل 23,1 في المئة للقروي.
وفي أول تصريح صحافي عقب إعلان فوزه، أعرب سعيد عن امتنانه للشباب الذي "فتح صفحة جديدة في التاريخ"، على حد تعبيره، حيث أظهرت النتائج أن 90 بالمئة من الشباب صوّت لفائدة "سعيد" الذي يلقب بـ"الأستاذ".
ولم يقدم أستاذ القانون الدستوري المتقاعد برامج انتخابية محددة، بل يعرض مقاربة تقوم أساسا على لامركزية السلطة وأن "السلطة للشعب".
وفيما يؤكد سعيّد على أنه مستقل ومدعوم بمجموعة من الطلبة المتطوعين وبإمكانات محدودة، تراهن حركة النهضة الإسلامية على اعتلائه سدة الرئاسة من أجل السيطرة على مقاليد السلطة في البلاد.
واستغلال غياب أي حزب أو جهة سياسية معينة وراء سعيّد لاحتوائه بما يتماشى مع طموحات الحركة وإصرارها على البقاء في السلطة لتفادي فتح ملف الجهاز السري والعلاقات المشبوهة بأطراف خارجية من المرجح أن تكتب نهاية الحركة الإسلامية في تونس.
وهنأت حركة "النهضة" ذات المرجعية الإسلامية سعيّد ودعت أنصارها "للالتحاق والاحتفال مع الشعب التونسي بشارع الثورة" في وسط العاصمة.
وتمكن قيس سعيّد من تصدّر نتائج الدورة الرئاسية الأولى التي أقيمت في شهر سبتمبر الفائت حيث حصل على 18,4 في المئة من الأصوات متفوقا على مرشحين يمثلون الطبقة السياسية الحاكمة التي لم تستطع تجاوز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.
ويدافع سعيّد بشدة عن استقلالية القضاء وعن "إرادة الشعب"، متبنيا شعارات الثورة التونسية عام 2011 "شغل حرية كرامة وطنية".
وينتقد سعيّد بلغة عربية فصحى لا تفارق لسانه النظام السياسي البرلماني المزدوج الذي تم اعتماده في البلاد.
وهو يقترح انتخاب مجالس محلية وممثلين عنها "من أجل إيصال رغبة الشعب للسلطة المركزية ووضع حد للفساد".
ووجهت لسعيّد انتقادات على بعض أفكاره المحافظة خاصة تلك المتعلقة بالمسائل الاجتماعية. ولا يستند سعيّد إلى مرجعيات دينية في خطاباته، إذ أن مرجعه الوحيد هو الدستور والقانون، ما يجعل من عملية تصنيفه سياسيا بالأمر الصعب.
وتجمع الآلاف من أنصار سعيّد في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة اثر إعلان نتائج الاستطلاعات وهتفوا "الشعب يريد قيس سعيّد" و"تحيا تونس"، مرددين النشيد الوطني التونسي.
وأطلق المحتفلون الألعاب النارية ورفعوا صور سعيّد في الشارع الذي كان مسرحا لاحتجاجات التونسيين في ثورة 2011. من جانبه، انتقد منافسه نبيل القروي القضاء لتوقيفه 48 يوما قبل الحملة الانتخابية وخلالها.
وقال للصحافيين في مؤتمر صحافي في مقر حملته بالعاصمة تونس "حالة فريدة من نوعها في تاريخ الديمقراطيات (...) سندافع، سجن البارزين (المرشحين) سهل".
ويرى مراقبون أن المناظرة التلفزيونية التي جمعت المتنافسين الجمعة كان لها الفضل في ترجيح كفة سعيّد الذي بدا خلالها واثقا ومقنعا أمام منافسه القروي الذي فقد تركيزه في فترات.
وتم توقيف القروي بتهم غسل أموال وتهرب ضريبي في 23 أغسطس الفائت على حملته الانتخابية، لكن تم إطلاق سراحه قبل موعد الاقتراع للدورة الثانية بأربعة أيام.
ومن المتوقع أن تنشر الهيئة العليا المستقلة النتائج بصفة رسمية الاثنين.
كما أعلنت الهيئة العليا للانتخابات أن نسبة المشاركة بلغت 57.5 في المئة، متجاوزة بذلك النتائج الإجمالية في الدورة الرئاسية الأولى والانتخابات التشريعية.
ولرئيس البلاد صلاحيات محدودة بالمقارنة مع تلك التي تمنح لرئيس الحكومة والبرلمان، وهو يتولى ملفات السياسة الخارجية والأمن القومي والدفاع خصوصا.
يأتي ذلك فيما تجري مشاورات طويلة من أجل تحالفات سياسية لتشكيل الحكومة المقبلة، لأن حركة النهضة الذي حل في الصدارة بـ52 مقعدا لا يستطيع تشكيل حكومة تتطلب مصادقة 109 نواب.
وأعلن رئيس الحركة راشد الغنوشي بدء حزبه بمشاورات لتشكيل الحكومة، وقال للصحافيين اثر تصويته "بدأنا مشاورات مع كل الأحزاب الناجحة".