الدستوري الحرّ يرفع شكوى لتفكيك أخطبوط المنظومة السابقة.
تونس - تجددت دعوات التونسيين إلى تفكيك الأخطبوط الجمعياتي والسياسي الذي كوّنته منظومة ما بعد 2011، على غرار الجمعيات الخيرية، التي تهدف إلى تحقيق مآرب سياسية، وبناء نمط مجتمعي يتعارض ومقومات الدولة المدنية، عبر التمويلات الخارجية المشبوهة.
وأعلن حزب الدستوري الحر، عن تقديمه لشكوى للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ضد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فرع تونس.
وقال في بيان أصدره الأربعاء إن “اتحاد علماء المسلمين ساهم في ضرب أسس النموذج المجتمعي التونسي ونشر الفكر الظلامي وتغلغل الإرهاب وتأليب المرأة التونسية ضد أحكام مجلة الأحوال الشخصية والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوقها”.
واستعرضت الشكوى، أحداث قمع الدولة لنساء تونس الغاضبات ومنعهن من المشاركة في الوقفة الاحتجاجية النسائية المنظمة يوم الثالث من سبتمبر الجاري قرب مقر “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” فرع تونس للمطالبة بغلقه.
وكشف الحزب عن تستر السلطة على هذه الجمعية الأجنبية التي عبرت صلب بيانات رسمية عن انخراطها في مشروع “دولة الخلافة” ومساندتها المطلقة لحركة طالبان في أفغانستان وحكومتها المتكونة من أشخاص مدرجين بقائمة العقوبات بمجلس الأمن.
وأكد الحزب أنه سيتابع هذا الملف بكل جدية، وسيحتفظ بحقه في التصعيد طبق السبل القانونية المسموح بها لإخراج هذه التنظيمات المشبوهة من تونس وتجميد تمويلاتها ومحاسبة مؤسسيها ومسيريها.
وتنشط هذه الجمعيات تحت يافطة العمل الخيري، وتعمل على اختراق النسيج الاجتماعي وتقديم نفسها سندا للمواطنين، وتعتبر أداة من أدوات أخونة المجتمع، وغطاء لكل التحويلات المالية المشبوهة.
وترى أوساط سياسية أن خطر الجمعيات ذات الصبغة السياسية يكمن في الخطاب الدعوي الذي تبثه، والتمويل السياسي الفاسد، فضلا عن كونها تتعارض وأسس الدولة المدنية ومقومات المجتمع التونسي.
وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي بأنه “قبل ثورة جانفي 2011 كان عدد الجمعيات في حدود ثمانية آلاف جمعية، والآن أصبح أكثر من 22 ألف جمعية، والسلطات غير قادرة على مراقبتها”.
وأضاف “في السنوات الأخيرة وقع انفلات لا مثيل له، بفتح هذه الجمعيات على الأحزاب، أو ما يعرف بفتح الجمعياتي على السياسي”، وتابع “هناك فكر ظلامي ووهابي دخيل على تونس، واليوم لدينا معضلة الجمعيات الدعوية والأحزاب التي تملك الجمعيات السياسية”.
وحول تباطؤ الحكومات المتعاقبة في فتح ملف التمويل الجمعياتي والسياسي، أشار الرابحي إلى “غياب الإرادة السياسية لفتح مثل هذه الملفات، التي تؤسس لفكر غريب عن المجتمع التونسي ويتعارض مع ثقافته”.
وأردف “قانون الأحزاب مخالف لقانون الجمعيات، والأحزاب ممنوعة من تلقي الأموال، بينما يمكن للجمعيات أن تتلقى أموالا خارجية، وجل الأحزاب تلقت أموالا تحت أسماء جمعيات”.
وأوضح أن “المجتمع المدني والطيف السياسي نددا بهذه المسألة منذ 2011”، لافتا إلى أن “تقرير دائرة المحاسبات أثبت تورط أحزاب اعتلت السلطة في تلقي تمويلات خارجية، بهدف الاستثمار في فقر المجتمع لتحقيق أهداف سياسية”.
ويبلغ عدد الجمعيات الناشطة في تونس 23676 جمعية، حسب إحصائيات نشرها مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات التابع لرئاسة الحكومة على موقعه الإلكتروني، فيما بلغ عدد الجمعيات الأجنبية الناشطة في تونس 200 جمعية، منها 155 جمعية مقرها في ولاية تونس و14 جمعية في ولاية أريانة، فيما تتوزع بقية الجمعيات الأجنبية على ولايات أخرى.
وشهد تأسيس الجمعيات في تونس طفرة منذ ثورة 2011، وعقب إلغاء نظام الترخيص والاعتماد على نظام الإعلام لدى مصالح رئاسة الحكومة وفقا للمرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات والذي يضمن فصله الأول حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها.
ويشترط هذا المرسوم على الجمعيات أن تحترم في نظامها الأساسي وفي نشاطها وتمويلها مبادئ دولة القانون والديمقراطية والتعددية والشفافية والمساواة وحقوق الإنسان، وأن تنأى بنفسها عن الدعوة إلى العنف والكراهية والتعصب والتمييز على أسس دينية أو جنسية أو جهوية.
ويحجر على الجمعيات أن تجمع الأموال لدعم أحزاب سياسية أو مرشحين مستقلين إلى انتخابات وطنية أو جهوية أو محلية أو أن تقدم الدعم المادي لهم.
وأثار تقرير محكمة المحاسبات حول نتائج تمويل الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019 ومراقبة مالية الأحزاب جدلا واسعا بسبب ما كشفه من تجاوزات عديدة، يتعلق جزء منها باستغلال مترشح للرئاسية أنشطة إحدى الجمعيات في حملته الانتخابية.
وأشار جانب من التقرير إلى محدودية آليات الرقابة على الحملات الانتخابية، مقرا بوجود آليات جديدة للدعاية والتمويل المقنع من قبل الجمعيات التي يسمح لها القانون بتلقي هبات وتبرعات وتمويلات أجنبية معلومة المصدر، في وقت يمنع القانون حصول الأحزاب على تمويلات أجنبية.
وسبق أن عبّر المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة، عن استغرابه من انطلاق “اتحاد علماء المسلمين” في التسجيل لمجموعة من الدورات التدريبية، في وقت كانت الدعوات تطالب بغلق مقر هذه المنظمة.
وحذّر المرصد في بيان له من “خطورة المضامين التي يروجها هذا الاتحاد، المُصنّف إرهابيّا من قبل العديد من دول العالم، والتي تتعارض مع المبادئ الدستورية المدنية ومع القوانين التونسية خاصة في مجال الأحوال الشخصية، وإلى ما تحتويه من فكر ظلامي سلفي ومن حثّ على التكفير والعنف، ممّا يبعث في شبابنا روح الكراهية والإرهاب”.
ووقع عدد من الجامعيين على عريضة ضد نشاط هذه المؤسسة، وقالوا إنه يتعارض مع القانون المدني للبلاد ومع مبادئ الدستور، ووصفوها بـ”المؤسسة الطائفية” التي ساهمت في التغرير بالشباب وإرسالهم للقتال في بؤر التوتر، فضلا عن الإحراج الذي تسببه للدبلوماسية التونسية بالنظر إلى تصنيف اتحاد القرضاوي منظمة إرهابية في عدد من الدول.
خالد هدوي
صحافي تونسي