اعتصام حل البرلمان يهدد بعزل الغنوشي من المشهد السياسي، ودعوات إلى تكليف حكومة تصريف أعمال من الكفاءات غير المتحزبة.
عادت التحركات المدنية والسياسية من جديد، بعد تعافي تونس من وباء كورونا، وتعالت الأصوات المنادية بحل البرلمان وتغيير نظام الحكم بعد محاولات ترذيل واستخفاف بالتحركات الشعبية، فضلا عن جملة من المطالب الاجتماعية التي كشفت اتساع الهوة بين الخطاب السياسي الذي كرسته الحكومات المتعاقبة والمطالب الملحّة لمختلف فئات المجتمع.
تونس – يطرح تصاعد وتيرة الاحتجاجات المطلبية الداعية لحل البرلمان التونسي وتغيير نظام الحكم، مدى ضعف الإرادة السياسية بالبلاد وقدرة صناع القرار على امتصاص غضب الشارع بعد محاولات الاستخفاف بالتحركات السابقة، وهو ما ينذر بانفجار اجتماعي ومدني وشيك قد تطال حممه مؤسسات السلطة.
وأعلن “ائتلاف الجمهورية الثالثة” الدخول في اعتصام سلمي مفتوح يوم 14 جوان الجاري أمام مجلس نواب الشعب بهدف تحقيق جملة من المطالب أهمها حلّ البرلمان من طرف رئيس الجمهورية طبقا لمقتضيات الفصل 77 من الدستور وتكليف حكومة تصريف أعمال من الكفاءات غير المتحزبة.
وأكد العضو بالائتلاف محمد علي عباس خلال ندوة صحافية عقدت بالعاصمة أن مطالبهم تتمثل أيضا في إرساء حوار وطني لتشغيل العاطلين عن العمل وتحسين القدرة الشرائية للمواطن وتكليف لجنة من رجال القانون الدستوري من قبل رئيس الجمهورية لصياغة دستور جديد يتضمن التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتعديل النظام الانتخابي لتكريس التمثيلية الحقيقية للشعب، إلى جانب المطالبة بتفعيل المجلس الأعلى للشباب والرياضة وفتح ملفات التمويلات المشبوهة للأحزاب والجمعيات.
وقال الممثل عن “ائتلاف الجمهورية الثالثة” إن الأوضاع السياسية الحالية التي تعيشها تونس هي نتيجة إرساء دستور قال إنه “كارثي وعطل سير مؤسسات الدولة”، إلى جانب عدم إرساء المحكمة الدستورية التي تعتبر حجر الزاوية للجمهورية لما تكتسبه من أهمية رقابية لتكريس علوية أحكام الدستور، إضافة إلى غياب سلطة قضائية قوية قادرة على فتح الملفات ومحاكمة رموز الفساد مهما كانت مناصبهم.
ويعد “ائتلاف الجمهورية الثالثة” مبادرة مواطنية تضم مجموعة من المنظمات والجمعيات الوطنية أهمها “حركة العزة والكرامة” وجمعية “حماة تونس” و”حركة الجمهورية الثالثة” إلى جانب مجموعة من مكونات المجتمع المدني. كما دعا عضو “ائتلاف الجمهورية الثالثة” حمزة الغرياني كل مكونات الشعب التونسي بمختلف أطيافه إلى الالتفاف حول مبادرة “ائتلاف الجمهورية الثالثة” في استرجاع الدولة المدنية التي تقوم على علوية القانون وتطبيقه على جميع المواطنين دون تمييز وإرساء قضاء مستقل، فضلا عن حل مجلس نواب الشعب “باعتبار أن بعض أعضائه حاولوا عبر خطاباتهم التحريضية والشعبوية تفكيك النسيج المجتمعي لمختلف مكونات الشعب التونسي”.
وتتبنى تونس نظاما برلمانيا معدّلا يسميه البعض أيضا بالنظام النصف أو شبه البرلماني، ويمنح مجلس نواب الشعب صلاحيات التشريع والرقابة ويمنح الثقة للحكومة وسحبها منها والرقابة على عملها، فضلا عن إسناده لرئاسة الحكومة جلّ الصلاحيات التنفيذية، في حين ينحصر دور رئيس الجمهورية في 3 مجالات فقط وهي الدفاع والأمن القومي والعلاقات الخارجية.
ويبدو أن الدعوات المتتالية لتعديل النظام السياسي غير قابلة للتفعيل لسبب إجرائي، فإن كان ينص الفصل 143 من الدستور على أنّ لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء البرلمان حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور، فإن تفعيل هذه المبادرة متوقف على إرساء المحكمة الدستورية، التي لم تتشكل بعد، وهي التي يوكل إليها الدستور مراقبة مسار عملية التعديل.
ويرى متابعون أن النظام السياسي المعتمد هو من الأسباب الأساسية لأزمة إدارة البلاد، ويصفه البعض بنظام هجين لا يقوم على تعريف دقيق وأنه تسبب في حالة من الشلل العام بمؤسسات الدولة وعطل مشاريع القوانين ونسق الاستثمار بالبلاد.
وتأتي دعوات تغيير النظام السياسي وحل البرلمان بعد ترهل المشهد عموما الذي أصبحت تتقاذفه المصالح الخاصة وتغذيه الصراعات والمشاحنات وصلت حد التخوين والتشابك بالأيادي، وهو ما يعكس تنامي الهوس بالسلطة الذي تغذيه الأجندات داخليا وخارجيا.
وأكد المحلل السياسي الصحبي بن فرج أن المشهد السياسي اليوم تحكمه الصراعات والمشاحنات، ومطلب حل البرلمان يبقى مستبعدا دستوريا، والحل في حوار وطني برعاية رئيس الجمهورية.
وتساءل بن فرج “عما إذا كان الاعتصام سيؤدي إلى نتائج فعلية تترجم مطالب الشارع التونسي، ونقطة جذب وتجميع لمختلف القوى في الساحة السياسية”، معتقدا أنه سيمثل بداية لمسار كامل وتصعيد على المستوى الشعبي يلتقي مع الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد.
وفاقمت التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا منسوب الاحتقان الاجتماعي في تونس رغم أنه ليس وليد الأزمة في حد ذاتها وإنما هو نتاج لسياسات تنموية فاشلة اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ 2011، فيما تزداد الفجوة الاجتماعية بالاتساع بين السياسات التي يصرّح بها المسؤولون الحكوميون وانتظارات الفئات الاجتماعية.
وبداية الشهر الحالي، تجمّع العشرات من نشطاء المجتمع المدني في ساحة باردو وسط العاصمة، للمطالبة بتعديل النظام السياسي في البلاد وعزل رئيس البرلمان الذي يتهمونه بالاصطفاف خلف الأجندة التركية في ليبيا وخرق مبدأ الحياد الذي تلتزم به الدبلوماسية التونسية في النزاع الليبي، ما يهدد الأمن القومي التونسي.
وسبق أن أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي دعوات لما أسموها “ثورة الجياع”، تطالب بحل البرلمان الحالي والأحزاب ومحاسبتها، وإسقاط الحكومة وتعليق العمل بالدستور ومراجعة العديد من القوانين وإعادة صياغتها والمصادقة عليها باستفتاء شعبي.
وبالتوازي مع المطالب السياسية، شهدت البلاد مؤخرا موجة من الاحتجاجات الشعبية شملت قطاعات حيوية، غذتها هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما ينذر باحتقان اجتماعي قد تطال حممه الساحة السياسية، في ظل تنامي الدعوات المطالبة بتغيير نظام الحكم وحل البرلمان بالبلاد.
وخرجت الفئات الهشة والمتوسطة في وقفات احتجاجية سلمية للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية، في وقت يتوقع فيه صندوق النقد الدولي انكماشا غير مسبوق للاقتصاد التونسي.
واحتشد المئات من المحتجين من المعطلين عن العمل وعمال الحضائر وسواق وسائل النقل الخاصة في كل من محافظة سليانة وتونس العاصمة وسيدي بوزيد والقيروان وسوسة وغيرها مطالبين بتحسين ظروفهم الاجتماعية وحقهم في التنمية، ما يعمق الضغوط على الحكومة التونسية الفتية.
خالد هدوي
صحافي تونسي