حين نشبت الحرب الأهلية في تونس التي جرها اليها العثمانيون ومماليكهم البايات وذلك بالتضحية بالتوانسة للتربع على عرش الحكم واستعباد ما بقي منهم أحياء، وكان ذلك بعد موت مراد باي الثاني وصراع إبنيه علي ومحمد على السلطة كان سفاح تونس الأشهر مراد بوبالة طفلا صغيرا ...
كان مراد بوبالة إبن علي باي أمضى طفولته في منزل جدته الأميرة المشهورة عزيزة عثمانة بالمدينة العتيقة ...
ذلك القصر (دار الباي أو الدار الكبيرة) الذي بناه جده حمودة باشا والذي شهد طفولة أبيه وعمه الذين دخلا في صراع دموي قسم البلاد والعباد وأهلكهم ... كانت سنوات سوداء لم تشهد تونس مثيلا لها منذ أيام الغزو الهلالي...
شهد مراد بوبالة أيضا كيف ظهر عمه الثالث من العدم... رمضان باي إبن الجارية المسيحية ماريا الذي أوصله العثمانيين للسلطة رغم أنه إبن جارية... رمضان باي الذي قتل أباه 'علي باي' لينهي الحرب ...
رغم صراع أبيه علي مع عمه محمد باي فإنه عاش معه لسنوات (محمد باي الذي بنى جامع سيدي محرز وسوق الشواشي خلال فترة حكمه القصيرة) و بعد موته تبناه عمه و قاتل أبيه رمضان على عادة البايات المراديين.
كان يعتبر عمه رمضان قاتلا وحدث أن أسر لبعض رفاقه أن عمه لا يحمل دماء المراديين الأصيلة وأن أمه جارية مسيحية وأخوه قرصان إيطالي وأنه لا يستحق قصر باردو.
وصل كلامه لمغني في القصر يدعى (مزهود) فأوصلها لرمضان الخارج لتوه من إخماد الثورات والحروب التي تسبب بها صراع المراديين على الحكم فخاف من هذا المراهق الطموح وأمر (آغا الصبائحية) بسمل عينيه وسجنه كي يقطع طريق مطالبته بالحكم مستقبلا.
أشفق آغا الصبائحية إبراهيم الشريف على المراهق مراد (بوبالة) و تظاهر بسمل عينيه لكنه سبب له حروقا طفيفة ولم يجعله أعمى ورماه في سجن مدينة تونس.
هرب مراد بوبالة من السجن وهو في السابعة عشر ولجأ لجبل وسلات حيث قاد مجموعة من المتمردين ودخل مدينة القيروان وجهز بها جيشا توجه به للعاصمة.
في ذلك الوقت كانت السلطة المركزية في العاصمة ضعيفة فقد كان البلد خارجا من حرب أهلية وكان لكل مدينة علمها الخاص حتى أن أحياء داخل العاصمة نفسها مثل باب سويقة وباب الجديد كانت تشهد حروبا دورية بينهما تدوم أسابيع ولا تخمد سوى بتدخل الصبايحية المنشغلين بإخماد الثورات وإرجاع المدن المنفصلة.
دخل مراد بوبالة لقصر باردو وهو في التاسعة عشر من عمره وإفتتح إنتقامه بمجازر لم ترى تونس لها مثيل فذبح عمه رمضان باي وطاف بجثته في الشوارع أياما حتى تعفنت ورمى رأسه لجنوده يتقاذفونه بأقدامهم كالكرة ثم جاء بالمغني (مزهود) و أمره بأن يغني لرأس عمه كما كان يغني له في حياته وأخذ يقطع لحمه و يشويه ويأمر كل الحاشية بالأكل من لحمه ثم فقأ أعينهم ونبش قبور أعمامه البايات وأحرق جثثهم وطارد إخوته و أبناء عمومته المراديين وذبح كل من يمت لهم بصلة أو ولاء و لم يرحم طفلا ولا شيخا.
كان يمسك بالأطفال فيقطع أوصالهم ويجعلهم في سفافيد ويشويهم فوق النار كالخراف لمجرد تعذيب آبائهم.
وكان يُؤتى له بالرجل فيقوم له بنفسه ويذبحه، ويقطع أعضاءه ويشقّ بطنه، ويدخل يده ويخرج أمعاءه كجزّار ماهر.
وكان له سيف عريض يسمّى «البالة» لا يكاد يريحه يوما من إراقة دم الإنسان، وإذا لم يقتل أحدا يقول «البالة جاعت» ويخرج بها فيقتل أول من يعرض له، ولذلك كان يعرف بمراد أبي بالة.
كان مراهقا مريضا نفسيا لكن قسوته الأسطورية أشاعت الرعب في البلد و أنهت الإضطرابات.
سمع أن جثة عمه رمضان دفنت في سوسة حيث منزل أمه ماريا فخرج إلى سوسة وأخرجه من قبره وأحرقه بالنّار وجمع رماده وألقاه في البحر، وأخذ من ذلك الرماد وتشفّى بشربه في مجامع أنسه و منع بناء قبر يحمل إسمه.
وإرتحل مرة للجريد بالجنوب التونسي وإصطحب معه عدد من وزرائه و حاشيته و ولات المدن ثم غضب عليهم لسبب ما فقتلهم ذبحا كالخرفان وترك أشلاءهم في الصحراء ونهى عن دفنهم.
وغضب مرة على ستة وثلاثين فارسا من جنده، فجعل حبلا واحدا في أعناقهم وخنقهم دُفعة واحدة. وكان ينفذ أحكامه بنفسه متلذذا بما يفعله.
بعد ثلاثة سنوات من حكم مراد الثالث بوبالة وحين بلغ 22 من عمره قتله إبراهيم الشريف أمير جند البايات المراديين وآغا الصبائحية الذي أشفق عليه صغيرا ولم يسمل عينيه... قتله عندما كان متوجها بجيش لمحاربة داي الجزائر في منطقة قربية من ولاية باجة (واد الزرقة ).
وبموت مراد الثالث (بوبالة) انتهى عهد الدولة المرادية وقامت بعدها الدولة الحسينية بعد 3 سنوات من حكم إبراهيم الشريف واستمرت إلى سنة 1957 تاريخ انتهاء الدولة الحسينية وحكم البايات وإلغاء الملوكية وتأسيس الدولة التونسية وقيام النظام الجمهوري و تولي الحبيب بورقيبة الحكم وهكذا يكون قد استرجع التوانسة حكم أنفسهم بأنفسهم منذ سنة 1574.