نورالدين الطبوبي: قيس سعيد لم يتخل عن مبادرة الاتحاد وسيشرف على الحوار.
بدد الاتحاد العام التونسي للشغل المخاوف بشأن تخلي الرئيس قيس سعيّد عن مبادرة الحوار الوطني التي طرحها لإنقاذ البلاد من الأزمات التي ترزح تحت وطأتها منذ سنوات، بسبب دخوله في معركة الصلاحيات مع الحكومة والبرلمان. وخلافا للاستنتاجات السابقة أكد نورالدين الطبوبي التزام سعيّد بالمبادرة وإشرافه على الحوار في أقرب الآجال.
تونس - أزاح الاتحاد العام التونسي للشغل الغموض بشأن مبادرة الحوار الوطني للإنقاذ بعد استمرار الصمت الرئاسي بشأنه، والذي رجحه متابعون بتخلي الرئيس قيس سعيد عن المبادرة بشكل نهائي، أو دخوله في مقايضة مع الاتحاد بقبوله المشروط لدعم المبادرة مقابل استقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي، الذي اصطف مع حزامه السياسي ضده.
وأكد الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي مساء الجمعة، أن الرئيس سعيد لم يتخل عن مبادرة الاتحاد، المركزية النقابية ذات النفوذ الواسع في البلاد “خلافا لما راج في الآونة الأخيرة”، مبرزا أن “مبادرة الاتحاد هي ذاتها مبادرة الرئيس سعيد للحوار مع تحسين بعض النقاط فيها وتشريك الشباب”.
وأوضح الطبوبي في حوار لبرنامج “تونس باريس” على القناة الوطنية التونسية الأولى وقناة “فرانس 24”، بأن “قيس سعيد أكد له خلال اجتماع مغلق جمعهما الجمعة التزامه بالمبادرة والإشراف على الحوار الوطني، مع تشريك الشباب سواء مباشرة أو عن طريق المنظمات الوطنية والطيف السياسي أو عن طريق تكنولوجيات الاتصال”.
ووصف التوافق مع الرئاسة حول جميع الجزئيات بالخطوة الإيجابية، وهو ما يعكس برأيه عزم الرئيس سعيد تبني مبادرة الاتحاد رغم التأخير، وخلافا لتصريحات بعض الأحزاب على غرار حركة النهضة والتي روجت لرفض الرئاسة لمبادرة الإنقاذ.
ويرى متابعون أن النهضة ترفض أن يكون لسعيد اليد العليا في هذا الحوار، لذلك تكررت تصريحات قياداتها بأن المكان الطبيعي للحوار هو في البرلمان تمهيدا لقيادة راشد الغنوشي المبادرة، في خطوة تستهدف مساعي إقصائها أو إضعاف نفوذها في المشهد.
ويريد الاتحاد من خلال حرصه على إشراف الرئيس سعيد على الحوار الوطني كونه الشخصية الجامعة ورئيس جميع التونسيين حسب الدستور، لقطع الطريق أمام بعض الأحزاب الراديكالية، وعلى رأسها حركة النهضة وحليفاها، والتي تخوض صراعا حول الصلاحيات مع قرطاج وتحاول تحجيم نفوذ الرئيس، فيما يزداد المشهد تعقيدا في ظل معارك ومشاحنات النواب المستمرة.
وشدد الطبوبي على أن “الاتحاد لا يبحث عن الحوار لمجرد الحوار”، معتبرا أن “مبادرة الحوار التي يطرحها تشمل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي”، مشيرا إلى أن “كل طرف سياسي يريد حصر المبادرة في الزاوية التي يريد”.
وأشار إلى أن “العبرة في التحضير الجيد لإنجاح هذا الحوار الوطني لأن البلاد في أمسّ الحاجة إليه”، قائلا “هناك مصلحة مشتركة وهي مصلحة الوطن، وقد شرعت في تذليل بعض الصعوبات وسأسعى إلى تذليلها مع بقية الأطراف”.
وكان سعيد قد أعلن الأربعاء خلال لقاء مع نزار يعيش وزير المالية السابق استعداده للإشراف على تنظيم حوار وطني بمشاركة واسعة من الشباب عبر وسائل الاتصال الحديثة، بما يُمكّن من بلورة مقترحات ومطالب تنطلق من المستوى المحلّي نحو الوطني تتمّ صياغتها لاحقا من قبل مختصين في كافة المجالات على المستويين الجهوي والوطني للتوصّل إلى مخرجات متناغمة ومتناسقة.
وبعد منحه الضوء الأخضر في نهاية ديسمبر الماضي، للبدء في ترتيبات الحوار الوطني في مسعى لإيجاد حلول للأزمة التي تواجهها البلاد، دعا سعيد إلى مشاركة الشباب في أشغال الحوار الذي ستشارك فيه بموازاة ذلك أحزاب ومنظمات من كل مناطق البلاد بهدف “تصحيح مسار الثورة التي انحرفت عن أهدافها بعد عقد من اندلاعها”.
ويرى المتابعون أن سعيّد يحاول استثمار مبادرة الحوار لتوجيه رسائل إلى فئة الشباب التي ساهمت في صعوده إلى سدة الحكم في انتخابات 2019 بأنه لن يتخلى عن وعوده السابقة في حقهم، وذلك بضمان تشريكهم في الشأن العام.
ويعول كثيرون على مبادرة اتحاد الشغل كحل أخير للتهدئة والوساطة بين الفرقاء السياسيين في ظل احتدام الخلاف بين الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، رئاسة البرلمان).
وتشهد تونس أزمة سياسية غير مسبوقة بعد شهرين على تصديق البرلمان بأغلبية مطلقة على تعديل وزاري رفضه الرئيس سعيد، وهو ما عمّق هوة الخلاف بين رئيس الدولة من جهة ورئيسي الحكومة والبرلمان من جهة أخرى.
وسبق أن أعلن الأمين العام لاتحاد الشغل في ديسمبر الماضي، عن مبادرة لإطلاق حوار سياسي واجتماعي واقتصادي شامل، قدمها لرئيس الجمهورية، من أهم بنودها إرساء “هيئة حكماء” تقودها شخصيات وطنية مستقلّة للخروج من الأزمة.
ولزم بعدها الرئيس سعيد الصمت لأشهر، ليعبر بعد ذلك عن قبوله “المشروط” لرعاية مبادرة اتحاد الشغل باستقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي المسنود بحزام قوي تقوده حركة النهضة الإسلامية، وفقا لما أورده الطبوبي في وقت سابق.
ويؤكد المتابعون أن نجاح الحوار يبقى رهين إرادة سياسية لإحداث التغيير المنشود، خاصة في ظل الإخفاقات على المستوى الاقتصادي والسياسي، حيث وصلت الأمور إلى الانسداد منذ فترة ما أعاد إلى الواجهة المطالبات بإعادة النظر في نظام الحكم.
ورغم تعدد المبادرات لإطلاق الحوار، تراهن الأوساط السياسية على مبادرة الاتحاد لدوره الوازن في المشهد التونسي، وسبق أن نجح في لعب دور الوسيط، وساهم في تقريب وجهات النظر بين الأحزاب وتخفيف حالة الاحتقان في أزمات سابقة.
ويعتقد متابعون أن كافة الأطراف السياسية ستكون مرغمة على اتباع المسار الذي يختار اتحاد الشغل والرئاسة انتهاجه، خاصة وأنه سبق للاتحاد أن لعب أدوارا بارزة في سياق تهدئة اجتماعية أو الحوار الوطني الذي رعاه عام 2013، ما يجعله مؤهلا أكثر من غيره للتوسط ورعاية حوار جديد يخفف من حدة التوترات بين مكونات المشهد السياسي.
وكان اتحاد الشغل قد لعب دورا محوريا بمعية عدد آخر من المنظمات الوطنية، في الحوار الوطني لعام 2013، والذي جنب البلاد صراعا حادا بين الفرقاء السياسيين عبر وضع حكومة مستقلة وهي حكومة مهدي جمعة التي مهدت لإجراء انتخابات 2014.