اختر لغتك

باردو: قطار التنمية أم قطار التدمير؟

باردو: قطار التنمية أم قطار التدمير؟

باردو: قطار التنمية أم قطار التدمير؟

تتوسط مدينة باردو العريقة، ذات التاريخ العريق والمكانة الثقافية البارزة، مشهدا حزينا يهدد كيانها ويقسمها إلى شطرين: جنوبي وشمالي، قطار سريع بسرعة 80 كيلومترا في الساعة، يتهيأ لاجتياح المدينة، مخلفا وراءه جرحا غائرا في نسيجها العمراني والاجتماعي والاقتصادي.

منذ عقد من الزمن، تصدى سكان باردو ومجتمعها المدني لهذا المشروع بكل ما أوتوا من قوة، رفضوا فكرة أن يشطر القطار مدينتهم، مؤكدين على تأثيره السلبي على حركة المرور، والجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حينها أبدت السلطات استعدادها لإيجاد حلول تحافظ على باردو وتاريخها، لكن بعد عشر سنوات وفي أواخر سنة 2023 من المباحثات، تغيرت المعادلة، تقرر إجازة مشروع القطار، متجاهلا كل المخاوف والتحذيرات.

القطار، الذي يفترض أن يكون أداة للتنمية والتقدم، بات يُنظر إليه في باردو كتهديد وجودي، فسرعته العالية التي تتجاوز قدرة الإنسان على رد الفعل، تزيد من احتمالية وقوع حوادث مأساوية، كما أن عبوره المتكرر سيخلق فاصلا صعبا بين شطري المدينة، يعيق حركة السكان ويؤثر سلبا على أنشطتهم اليومية.

ولم يقتصر الأمر على المخاطر المباشرة، بل امتد ليشمل تداعيات اقتصادية واجتماعية وثقافية، فمشروع القطار سيؤدي إلى تدمير العديد من المحلات التجارية والمنازل، مما سيؤثر على رزق السكان ويضطرهم إلى الهجرة، كما أنه سيهدد معالم المدينة الأثرية والتاريخية، ويشوه هويتها الثقافية العريقة.

إن قرار إجازة مشروع القطار، على الرغم من كل المعارضة الشعبية، يثير تساؤلات كثيرة حول أولويات التنمية في تونس، فهل التنمية الحقيقية هي التي تهمل احتياجات السكان وتدمر تراثهم؟ هل التقدم يعني بالضرورة التضحية بالهوية والتاريخ؟

كما وأن أهالي معتمدية باردو ليسوا ضد مشروع القطار السريع كمشروع وطني هام، بل هم ضد طريقة مروره الحالية، ويرون أن الحل الأمثل هو مروره على جسر، حتى لا يقتل روح المدينة.، خاصة وانه يملك عدة إيجابيات، من أهمها، انه يقلل من زمن التنقل بين المدن، مما يوفر الوقت والجهد للمسافرين، ويساهم في تحسين البنية التحتية للنقل في تونس، مما يعزز الاقتصاد الوطني، كذلك يساهم  في الحد من التلوث البيئي، مقارنة بوسائل النقل الأخرى.

اذ إن سكان باردو يطالبون اليوم بإعادة النظر في هذا المشروع، والبحث عن حلول بديلة تحافظ على مدينتهم وترعى مصالحهم، فالتنمية الحقيقية لا بد أن تكون شاملة ومستدامة، تراعي احتياجات الإنسان وتاريخه وتراثه.

ولابد من أن يكون قطار التنمية وسيلة لربط الناس وتقريبهم، لا وسيلة لتقسيمهم وتدميرهم، كما يجب أن يكون صوت المواطنين مسموعا، ومطالبهم محترمة، فمدينة باردو بعبق تاريخها وجمال حاضرها، تستحق أكثر من أن تكون محطة على طريق التدمير.

ايمان مزريقي

آخر الأخبار

أيام تحسيسية مشتركة لدعم انتقال المجامع التنموية النسائية إلى شركات أهلية

أيام تحسيسية مشتركة لدعم انتقال المجامع التنموية النسائية إلى شركات أهلية

حين يلتقي النقيضان: أطول امرأة في العالم وأقصرهن يتقاسمان لحظة لا تُنسى!

حين يلتقي النقيضان: أطول امرأة في العالم وأقصرهن يتقاسمان لحظة لا تُنسى!

السينما التونسية تتألق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2024

السينما التونسية تتألق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2024

المنتدى السادس والعشرين لحقائق: السياحة في  المتوسط محور جدل أهل المهنة في الحمامات 

المنتدى السادس والعشرين لحقائق: السياحة في  المتوسط محور جدل أهل المهنة في الحمامات 

نابولي: الأطفال بين السلاح والعنف.. أزمة تهدد جيلًا كاملًا

نابولي: الأطفال بين السلاح والعنف.. أزمة تهدد جيلًا كاملًا

Please publish modules in offcanvas position.