في ضوء التصريحات التي أدلى بها رضا كرويدة، رئيس الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان، يظهر جليًا أن قضية التسول في تونس هي أزمة تتجاوز الأرقام والإحصائيات لتشمل جوانب اجتماعية ونفسية معقدة. فقد أشار كرويدة إلى أن عدد المتسولين في تونس يتجاوز الـ5 آلاف، مع وجود 15% منهم فقط من الفقراء الحقيقيين، بينما يمثل 85% من هؤلاء الأفراد من يعتبرون التسول مهنة. هذا التحليل يعكس حقيقة مريرة تؤكد أن التسول في تونس قد تحول إلى عمل يدرّ الأرباح، مما يتطلب فهمًا أعمق للأسباب والعوامل الكامنة وراء هذه الظاهرة.
مقالات ذات صلة:
المدّوري يقود مجلس الوزراء لإقرار قوانين مالية وتنموية تُرسخ الدولة الاجتماعية
العنف في صفوف الأطفال: من سلوك معزول إلى ظاهرة اجتماعية متفاقمة
تجذر الأسباب الاجتماعية والاقتصادية
إن ارتفاع نسبة المتسولين الذين يعتبرون التسول مصدرًا للرزق يشير إلى وجود أسباب اجتماعية واقتصادية معقدة، تتراوح بين قلة الفرص الاقتصادية وغياب الدعم الاجتماعي الفعّال. تفتقر العديد من الأسر في تونس إلى فرص العمل المناسبة، مما يدفع البعض إلى ممارسة التسول كخيار متاح، خاصة في المناطق الحضرية مثل تونس الكبرى. في هذا السياق، يمكن اعتبار التسول بمثابة نتيجة لفشل النظام الاقتصادي والاجتماعي في توفير سبل العيش الكريمة.
فئة الشباب: ضحية أخرى للاستغلال
يشير التقرير إلى أن الشباب يشكلون 25% من المتسولين في تونس الكبرى. هنا، يتجلى الواقع القاسي الذي يواجهه الشباب في تونس، حيث يجدون أنفسهم عالقين بين عدم توفر فرص العمل وقلة الخيارات المتاحة. العديد من هؤلاء الشباب، الذين هم في سن القدرة على العمل والإنتاج، قد ينجذبون إلى عالم التسول بسبب انعدام الأمل في تحسين ظروفهم. وللأسف، في بعض الحالات، يتم استغلالهم من قبل عصابات أو أفراد، مما يزيد من تعقيد هذه المشكلة.
استغلال الأطفال: جريمة إنسانية
التصريح بأن 60% من المتسولين هم من النساء، ووجود الأطفال ضمن هذه الفئة، يطرح تساؤلات جدية حول كيفية استغلال هؤلاء الأفراد الضعفاء. فالأطفال، الذين يُعتبرون مستقبل المجتمع، يصبحون ضحايا للاستغلال، حيث يتم إقحامهم في عالم التسول من قبل أفراد بالغين قد يكونون عائلتهم أو متاجرين. هنا، تبرز مسؤولية الدولة والمجتمع في حماية هؤلاء الأطفال من المخاطر المحتملة التي يمكن أن تتسبب في تشكيل جيل معزول ومهمش.
الحلول والتوصيات: العمل الجماعي هو الحل
لمعالجة هذه الظاهرة، من الضروري وضع استراتيجيات شاملة تجمع بين تقديم الدعم الاجتماعي للفئات الهشة، وتوفير فرص العمل المناسبة، بالإضافة إلى تعزيز قوانين حماية الأطفال. على الحكومة ومنظمات المجتمع المدني العمل معًا لوضع برامج تأهيل وتدريب للفئات الضعيفة، من أجل إدماجهم في سوق العمل بطرق فعالة.
كما يجب تشجيع المجتمع على الانخراط في دعم المبادرات التي تهدف إلى مساعدة المتسولين بشكل إنساني، من خلال برامج تركز على إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي. إن التوعية بحقوق الإنسان وضرورة معالجة التسول كظاهرة اجتماعية مهمة تتطلب أيضًا مشاركة فاعلة من وسائل الإعلام، لتسليط الضوء على هذه القضية وإنشاء حوار مجتمعي حولها.
في النهاية، يمثل التسول في تونس أكثر من مجرد مشكلة اقتصادية؛ إنه انعكاس لحالة اجتماعية معقدة تتطلب تدخلاً عاجلاً وجذريًا. إن معالجتها يتطلب جهدًا جماعيًا وشفافية في التعامل مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية، مما سيضمن حماية حقوق الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع.