تُعَدّ ظاهرة العنف المدرسي في تونس من أكبر التحديات التي تواجه المنظومة التربوية. وفقًا لتصريحات مدير عام المرصد الوطني للتربية، رمزي بازة، شهدت حالات العنف في الوسط المدرسي ارتفاعًا بنسبة 19% بين عامي 2023 و2024، مما يثير مخاوف جدية حول تأثير هذه الظاهرة على البيئة التعليمية وعلى مستقبل التلاميذ في البلاد. تعكس هذه الأرقام واقعًا مقلقًا يتطلب دراسة عميقة لأسباب الظاهرة، وتداعياتها على المنظومة التربوية، والحلول الممكنة للحد منها.
مقالات ذات صلة:
وادي مليز: تظاهرة "الوقاية من العنف بالوسط المدرسي"
العنف في صفوف الأطفال: من سلوك معزول إلى ظاهرة اجتماعية متفاقمة
حكم بالسجن لمدة 20 عامًا في قضية اعتداء جنسي على قاصر: العنف والشهوة يشوهان حياة فتاة بريئة
أسباب تفاقم العنف المدرسي
التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية: يشير الخبراء إلى أن العوامل الاجتماعية، مثل تفكك الأسرة وانتشار الفقر، تلعب دورًا مهمًا في تنامي ظاهرة العنف المدرسي. الأزمات الاقتصادية التي تعيشها العديد من العائلات تزيد من الضغوط النفسية على التلاميذ، مما ينعكس سلبًا على سلوكهم داخل المدارس. كما يساهم الانقطاع المبكر عن التعليم، والبطالة بين الشباب في تشكل ظواهر سلبية في محيط المؤسسات التربوية.
العنف الأسري: تتداخل ظاهرة العنف المدرسي مع مشكلات أخرى مثل العنف الأسري. الأطفال الذين يعيشون في بيئات أسرية عنيفة غالبًا ما يعكسون تلك السلوكيات في المدرسة، مما يخلق حلقة مفرغة من العنف تنتقل بين البيت والمدرسة.
التأثيرات الرقمية: يلعب الانتشار المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى العنيف الذي يتعرض له التلاميذ دورًا في تطبيع السلوكيات العدوانية. المحتويات الرقمية التي تروج للعنف تمثل نموذجًا سلبيًا يقلده الأطفال والمراهقون في حياتهم اليومية.
التداعيات على المنظومة التربوية
تدهور البيئة التعليمية: يؤدي انتشار العنف في المدارس إلى تدهور البيئة التعليمية، حيث يفقد التلاميذ والإطار التربوي الشعور بالأمان. هذا التدهور يُضعف من قدرة المؤسسات التعليمية على أداء دورها التربوي والتعليمي بفعالية. كما ينعكس العنف على أداء التلاميذ الأكاديمي ومستوى التحصيل الدراسي، مما يؤدي إلى ضعف النتائج التعليمية وزيادة نسبة الفشل الدراسي والانقطاع عن الدراسة.
تأثيرات نفسية واجتماعية: العنف المدرسي لا يؤثر فقط على الضحايا المباشرين، بل يمتد تأثيره إلى كافة التلاميذ الذين يشهدون تلك السلوكيات. التلاميذ الذين يتعرضون أو يشاهدون العنف يعانون من آثار نفسية طويلة الأمد مثل القلق، الاكتئاب، وانخفاض الثقة بالنفس. هذا قد يؤدي إلى انسحابهم من الأنشطة المدرسية وتدهور علاقاتهم الاجتماعية مع زملائهم.
تصاعد الانحرافات السلوكية: مع زيادة حالات العنف، تبدأ المدارس في مواجهة حالات جديدة من الانحراف السلوكي مثل انتشار المخدرات، السرقة، وتفاقم حالات البراكاج، وهو ما أكده الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني، العميد عماد مماشة، حيث تم تسجيل عدة حالات من هذه الظواهر حول المؤسسات التربوية.
الحلول والمقترحات
تكثيف الحملات التحسيسية والتوعوية: أطلقت وزارة التربية بالتعاون مع وزارة الداخلية حملات تحسيسية تستهدف التلاميذ وأولياء الأمور، بهدف نشر الوعي بمخاطر العنف وأهمية التعامل مع الخلافات بطرق سلمية. إلا أن هذه الجهود تتطلب استمرارية وتوسيع النطاق لتشمل كافة المدارس والمعاهد في مختلف الجهات، مع التركيز على إشراك المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في حملات التوعية.
تعزيز دور الإرشاد النفسي والاجتماعي: يحتاج الوسط المدرسي إلى مزيد من الإرشاد النفسي والاجتماعي لدعم التلاميذ الذين يعانون من مشكلات أسرية أو نفسية. يجب توفير مستشارين نفسيين مؤهلين في كل مدرسة، مع التركيز على بناء برامج تدخل مبكر تساهم في تقليص احتمالات تفاقم السلوكيات العنيفة.
تشديد الإجراءات الأمنية: مع تزايد حالات العنف في محيط المؤسسات التربوية، لابد من تشديد الإجراءات الأمنية من خلال تفعيل الدوريات الأمنية المستمرة حول المدارس والمعاهد. ويجب أن تشمل هذه الجهود تعزيز التعاون بين الوزارة والشرطة لتحديد النقاط السوداء ومكافحة ظواهر البراكاج والاعتداءات.
إصلاح البيئة التعليمية: يتطلب الحد من العنف في المدارس إعادة النظر في البيئة التعليمية. يجب أن تركز الإصلاحات على تحسين ظروف التعليم وزيادة الأنشطة الموازية التي تساهم في تعزيز مهارات الحوار والتواصل بين التلاميذ. كما ينبغي تحسين مستوى تجهيزات المدارس لتصبح بيئة جاذبة للتلاميذ، ما يساهم في تقليص الضغوط النفسية والاجتماعية التي قد تدفعهم إلى العنف.
ظاهرة العنف المدرسي تمثل جرس إنذار يستدعي تدخلًا فوريًا من قبل جميع الفاعلين في المنظومة التربوية والاجتماعية. النجاح في الحد من هذه الظاهرة يتطلب تكاملاً بين الجهود الحكومية والأهلية، وتعزيز ثقافة الحوار والتسامح داخل المدرسة وخارجها. إن إصلاح السلوكيات السلبية للتلاميذ يعد خطوة أساسية لضمان بناء مجتمع مستقبلي قادر على مواجهة تحدياته بالعلم والمعرفة، وليس بالعنف والعدوانية.