اختر لغتك

العنف ضد النساء في تونس من التشخيص إلى الوقاية الفاعلة

العنف ضد النساء في تونس من التشخيص إلى الوقاية الفاعلة

العنف ضد النساء في تونس من التشخيص إلى الوقاية الفاعلة

شهد مقر مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) يوم الأربعاء 4 ديسمبر 2024، انعقاد ندوة رفيعة المستوى تحت شعار "في الوقاية حماية"، الفعالية التى جاءت في إطار حملة "16 يوما من النشاط لمناهضة العنف المسلط على النساء"، لم تكن مجرد حدث عابر أو لقاء بروتوكولي، بل كانت تتويجا لجهود امتدت لسنوات، هدفت إلى إنتاج مؤشرات دقيقة تستند إلى السجلات الإدارية لرصد وتحليل ظاهرة العنف ضد النساء، وقد افتتحت السيدة أسماء الجابري، وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، هذا الحدث، مؤكدة التزام الدولة التونسية بمواجهة هذه الظاهرة بعزم وإصرار.

مقالات ذات صلة:

وزيرة الأسرة تفتتح ندوة حول مؤشرات العنف ضد النساء وتكريس العمل المشترك لتعزيز الوقاية

تونس تتحد ضد العنف: قافلة افتراضية لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات

العنف الأسري: خيمة توعوية في قلب العاصمة للتصدي لآفة مجتمعية متفاقمة

الحديث عن العنف المسلط على النساء في تونس، كما في أي مجتمع آخر، ليس جديدا، ولكنه ظلّ لسنوات طويلة محاطا بجدران الصمت أو مغلفاً بمبررات اجتماعية وثقافية؛ ومع ذلك شهدت تونس منذ عام 2017 تطورا نوعيا في التعامل مع هذه الظاهرة من خلال مبادرة وطنية أطلقها الكريديف لإنتاج مؤشرات علمية دقيقة حول العنف، هذه المبادرة، التي استندت إلى مقاربة تشاركية، جمعت ممثلين عن قطاعات حيوية مثل وزارات العدل والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية، لتؤكد أن التعاون بين المؤسسات هو الأساس لفهم الظاهرة ومعالجتها.

هذا وافضت هذه الجهود إلى تحديد 112 مؤشرا، تشكل اليوم أداة مهمة لفهم الظاهرة وتوجيه استراتيجيات الوقاية والتدخل، لتصبح ليس فقط مجرد أرقام صماء، بل انعكاسا واقعا معقدا يتطلب تحليلا عميقا لاتخاذ قرارات مدروسة تساهم في الوقاية وحماية الضحايا.

كما وان تحديد المؤشرات يمثل خطوة مفصلية في مكافحة العنف ضد النساء، فمن خلال السجلات الإدارية، أمكن توثيق الحالات بشكل موضوعي، مما أتاح بناء قاعدة بيانات دقيقة وشاملة، لتمكن هذه البيانات من قياس حجم الظاهرة والكشف عن أنماط العنف وأشكاله المتعددة، مثل الجسدي، النفسي، الاقتصادي، والجنساني.

وبفضل هذه المؤشرات، أصبح بالإمكان إجراء مقارنة زمنية وجغرافية للظاهرة، مما يسهم في تحديد الفئات الأكثر عرضة للعنف والمناطق التي تحتاج إلى تدخلات عاجلة، فعلى سبيل المثال اظهرت البيانات التى تم دراستها بأن النساء في المناطق الريفية يعانين من العنف الاقتصادي نتيجة التهميش وضعف الفرص، بينما تسود في المناطق الحضرية أشكال أخرى من العنف مثل العنف النفسي والتحرش، هذا التحليل يمهد الطريق لرسم سياسات مبنية على حقائق ميدانية دقيقة.

كذا تعد الوقاية من العنف ضد النساء هي حجر الزاوية في مواجهة الظاهرة، فهي تتطلب تغييرا عميقا في العقليات والممارسات الاجتماعية يبدأ من التربية والتعليم، حيث يجب غرس مبادئ المساواة واحترام الآخر في الأجيال الناشئة، ويمتد إلى حملات التوعية التي تستهدف المجتمع ككل.

لكن الوقاية وحدها لا تكفي، فالتدخل الفوري لحماية النساء ضحايا العنف يعد ضرورة قصوى، وهنا تأتي أهمية التكامل بين القطاعات المختلفة: وزارة الداخلية لضمان سلامة الضحايا وتقديم الجناة للعدالة، وزارة الصحة لتقديم الدعم النفسي والجسدي، ووزارة الشؤون الاجتماعية لتوفير برامج إعادة التأهيل والإدماج،مما  يخلق تعاون يضع أسسا لتدخل شامل وفعال وحيني.

كذلك لا يمكننا أن ننسى فصل جهود مكافحة العنف ضد النساء عن الإطار القانوني، ففي تونس مثل القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 نقلة نوعية في هذا المجال حيث نص بوضوح على حماية النساء من جميع أشكال العنف، معاقبة مرتكبيه، وضمان حقوق الضحايا، مستندا إلى الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية "سيداو".

ورغم ذلك، يبقى التحدي الحقيقي في مدى قدرة هذه النصوص على التطبيق العملي، وهنا تظهر أهمية المؤشرات، حيث توفر أدوات لقياس فعالية السياسات وتحديد الفجوات التي تحتاج إلى معالجة، فنجاح هذا الإطار القانوني يعتمد على استمرارية الجهود وتكاملها مع مبادرات مجتمعية واسعة النطاق.

ألا انه وبرغم التقدم المحرز، لا تزال هناك تحديات كبيرة، مثل نقص الموارد البشرية والمالية لتفعيل البرامج، والصور النمطية المرتبطة بالأدوار الجندرية، وضعف التنسيق بين القطاعات أحيانا، وهي من العوائق تتطلب عملا جماعيا لتجاوزها.

ومع ذلك، فإن وجود إرادة جماعية، كما ظهر في المبادرات التي أطلقها الكريديف، يمثل بارقة أمل، فالدعم الدولي عبر برامج مثل "آمنة" يعزز الجهود الوطنية ويوفر الموارد والخبرات اللازمة لتفعيل المبادرات بفعالية أكبر.

إن العنف ضد النساء ليس مشكلة فردية، بل قضية مجتمعية ترتبط بالقيم الأساسية للعدالة والمساواة، وبناء مجتمع خال من العنف يتطلب جهودا تبدأ من التشخيص الدقيق، كما تجسد في إنتاج المؤشرات وتمتد إلى الوقاية والتدخل الفعال و التطبيق.

صحيح أن ما تحقق حتى الآن يمثل خطوة أولى واعدة، لكنه يتطلب متابعة مستمرة وتقييما دوريا لضمان تحقيق الأهداف المنشودة، فحماية النساء ليست فقط حماية لنصف المجتمع، بل هي حماية للمجتمع بأسره، لأن عدالة المجتمع تقاس بقدرته على حماية أضعف حلقاته.

آخر الأخبار

"بعد نص الليل ونص" يضيء المسرح بجائزة أفضل سينوغرافيا

"بعد نص الليل ونص" يضيء المسرح بجائزة أفضل سينوغرافيا

العنف ضد النساء في تونس من التشخيص إلى الوقاية الفاعلة

العنف ضد النساء في تونس من التشخيص إلى الوقاية الفاعلة

الشباب في الأحياء الشعبية يعيشون أمل مكبل بتحديات الواقع

الشباب في الأحياء الشعبية يعيشون أمل مكبل بتحديات الواقع

الشعر التونسي يضيء منتدى ليانغتشو: منير الوسلاتي يرفع صوت الإبداع في قلب بكين

الشعر التونسي يضيء منتدى ليانغتشو: منير الوسلاتي يرفع صوت الإبداع في قلب بكين

وزيرة الأسرة تفتتح ندوة حول مؤشرات العنف ضد النساء وتكريس العمل المشترك لتعزيز الوقاية

وزيرة الأسرة تفتتح ندوة حول مؤشرات العنف ضد النساء وتكريس العمل المشترك لتعزيز الوقاية

Please publish modules in offcanvas position.