في وقتٍ تتزايد فيه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في تونس، أضاف رشاد النموشي، رئيس مجمع القطاع الخاص والأمين العام المساعد لاتحاد عمال تونس، أبعادًا جديدة للأزمة بين النقابات ومنظمة الأعراف، بتصريحه حول رفض الأخيرة الاعتراف بالتعددية النقابية، ما يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الحوار الاجتماعي في البلاد وآثاره على استقرار السوق والعمل.
النموشي، في تعبيره الصريح عن استياء المجمع، كشف عن المحاولات المتكررة لفتح باب الحوار مع منظمة الأعراف، التي ردت بشكل قاطع بأنها لا تتعامل إلا مع الاتحاد العام التونسي للشغل، ما يعكس توجهاً لدى المنظمة للحد من أي مشاركة نقابية أخرى في النقاشات المتعلقة بقضايا العمال. هذا الموقف، في جوهره، يسلط الضوء على واقعٍ سياسي واجتماعي قديم، حيث تظل العلاقات النقابية في تونس محكومة بوجود طرفين رئيسيين، مع تجاهل الأطراف النقابية الأخرى التي تسعى للعمل في إطار التعددية النقابية.
لكن المعضلة ليست فقط في رفض التعددية النقابية بحد ذاتها، بل في تأثير ذلك على قدرة النقابات الأخرى على المشاركة في صياغة السياسات العمالية والتفاوض بشأن الأجور وظروف العمل. إن هذا الموقف يفتح الباب أمام التساؤل حول مدى استعداد تونس للاعتراف بتنوع آراء وتجارب الحركة النقابية، وهو ما يرتبط بتحدي أكبر في النظم السياسية والاجتماعية التي لا تزال تفضل "الاحتكار" في الساحة النقابية.
الواقع الاقتصادي الذي يعيشه العمال، مع ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية، يعزز من أهمية الحوار الاجتماعي الفعّال. ومع رفض منظمة الأعراف التعددية النقابية، فإن الحكومة ومنظمات المجتمع المدني قد تجد نفسها في موقف صعب في محاولة للتوفيق بين مصالح العمال وضرورات السوق. فقد بيّن النموشي أن العديد من العمال لم يعودوا قادرين على مواجهة التحديات اليومية في حياتهم المعيشية، ما يستدعي بشكل عاجل التفاوض على زيادة الأجور.
إضافة إلى ذلك، تبرز قضية الأجر الأدنى المضمون كأحد أبرز النقاط التي يعكف عليها مجمع القطاع الخاص. ففي ظل غياب التعددية النقابية، قد يصبح من الصعب الوصول إلى اتفاقات شاملة تشمل جميع الفئات العمالية، وبالتالي يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن لمؤسسة واحدة أن تمثل الجميع؟ هذا التساؤل هو جوهر الأزمة التي قد تفرزها الإشكالية الحالية بين منظمة الأعراف والنقابات الأخرى.
لكن، ما يثير القلق الأكثر هو عدم وجود آلية توافقية تمكن من تحسين التشريعات العمالية بشكل شامل. في تصريحاته، طالب النموشي بتعديل مجلة الشغل وتنظيم عقود العمل، مع الدعوة إلى تنقيح فصولها بما يضمن حقوق العمال في قطاعات المناولة، وهو ما يعد خطوة نحو تقديم حلول تساهم في تحسين الأوضاع. ومع ذلك، قد يتطلب هذا التعديل توافقًا بين جميع الأطراف، وهو أمر يبدو صعب المنال في ظل غياب التعددية النقابية والمواقف الثابتة تجاه أي محاولة لتوسيع دائرة المشاركة النقابية.
إن رفض التعددية النقابية في تونس لا يعكس فقط أزمة في العلاقات بين الأطراف الاجتماعية، بل يشير أيضًا إلى تدهور القدرة على التوصل إلى حلول تنمويّة شاملة. في الوقت الذي تحتاج فيه تونس إلى آليات مرنة لتطوير السياسات الاجتماعية، يبدو أن هذه الأزمة قد تؤدي إلى مزيد من التوترات الاجتماعية التي تضر بالفئات الأضعف في المجتمع، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي في البلاد.