83 في المئة من المتزوجين عرفيا طلبة أغلبهم من أوساط اجتماعية فقيرة.
رغم صرامة القانون التونسي ومنعه لتعدد الزوجات وكل صيغ الزواج التي لا تستجيب إلى الشروط القانونية والمدنية، انتشرت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة الزواج العرفي خاصة في صفوف الطلبة السلفيين والمتعاطفين معهم. ويرجع خبراء علم الاجتماع ذلك إلى التقاء الأفكار الدينية السلفية مع الجذور الاجتماعية الفقيرة للطلبة.
تونس- يعد الزواج العرفي آلية لشرعنة العلاقات الجنسية المنتشرة في المجتمع التونسي، كما هو غطاء للجنس الحلال وتقنين للشهوات المكبوتة. وقد بات هذا النوع من الزواج واقعا ملموسا على الرغم مما يُسبّبه من مشكلات اجتماعية ونفسية وصحيّة.
ويعرّف خبراء علم الاجتماع الزواج العرفي بأنّه زواج غير موثق رسميا، فهو يتمثل فى كتابة عقد غير قانوني بين طرفين بحضور شهود ودون أن يترتّب عن هذا النوع من العقد نفقة شرعية للزوجة أو أي حقوق قانونية لدى الزوج أثناء الزواج وبعد الطلاق.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة سُجِلت 1718 قضية زواج عرفي في تونس، وقد بتّ القضاء التونسي في 287 ملف زواج عرفي خلال السنة القضائية الفارطة، و369 ملفا في السنة التي سبقتها.
كما تم تسجيل 386 قضية خلال السنة القضائية 2017 – 2018، و351 ملفا في 2016 – 2017 و325 خلال 2015 – 2016.
وبينت دراسة ميدانية أعدها عدد من الطلبة من خمس جامعات تونسية سنة 2015 أن ظاهرة الزواج العرفي انتشرت بنسبة 37 في المئة في صفوف السلفيين بصفة عامة وبنسبة 83 في المئة في صفوف الطلبة منهم، وبنسبة 23 في المئة في صفوف الطلبة المتعاطفين معهم.
وأشارت ذات الدراسة إلى أن 90 في المئة من المتزوجين عرفيا ينحدرون من أوساط اجتماعية فقيرة ومن أحياء شعبية أو جهات داخلية محرومة، في حين ينتمي 10 في المئة منهم إلى عائلات من الطبقة الوسطى التي تعرّضت خلال الفترة الأخيرة إلى التهميش الاجتماعي والتفقير.
ورصدت الدراسة ما بين 700 و800 حالة زواج عرفي في صفوف الطلبة. ولكنها لفتت إلى أنه ليس بوسع أيّة جهة تحديد مدى انتشار الظاهرة لأن الطلبة المتزوجين عرفياً يحيطون زواجهم بسرية تامة خوفاً من وقوعهم تحت طائلة القانون أو من افتضاح أمرهم لدى عائلاتهم التي لا تعلم بزواجهم.
وأشارت الدراسة إلى أن التقاء الأفكار الدينية السلفية مع الجذور الاجتماعية الفقيرة للطلبة، بالإضافة إلى انتشار ممارسة الجنس خارج إطار الزواج هي عوامل ساهمت بشكل كبير في بروز الزواج العرفي كظاهرة جديدة في الجامعات التونسية.
وتعود ظاهرة الزواج العرفي في تونس إلى ما قبل ثورة يناير2011، إلا أنها كانت حكرا على الطبقة الوسطى والعليا من المجتمع التونسي وقد تداولتها عدة وسائل إعلام رغم إنكار السلطات الرسمية لها، حسب ما صرح به المختص في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد.
ويرى بالحاج محمد أن صيغة الزواج هذه تنتشر في كل الشرائح الاجتماعية، وليست حكراً على العازبين دون سواهم. واعتبر أن الزواج العرفي آلية لشرعنة العلاقات الجنسية المنتشرة بكثرة في المجتمع التونسي ذلك أن 80 في المئة من الشباب و67 في المئة من الشابات يمارسون الجنس خارج إطار الزواج رغم أن التونسيين في
قرارة أنفسهم غير متصالحين مع فكرة العلاقات المحرمة بحكم الوازع الديني وتربية الحلال والحرام وثقل الموروث الثقافي والاجتماعي الذي يتعارض أحياناً مع الصورة المتحررة التي تظهر بها بعض الطبقات الاجتماعية.
وأشار بالحاج محمد إلى أن الزواج العرفي “يشكّل ملاذاً لتلبية حاجات جنسية وتجنّب عقدة الإحساس بالذنب وتأنيب الضمير إزاء الوازع الديني الذي يكبح جماح تلك الرغبات”.
وأكد أنه الزواج العرفي يمثّل “صيغة للخيانة الزوجية تحت غطاء ديني” بالنسبة إلى المتزوجين الذين لا يمتلكون الجرأة للعيش مع خليلة خارج نطاق الزواج، كون القانون التونسي يمنع تعدد الزوجات، ويريدون أيضاً الحفاظ على أسرهم وسمعتهم الاجتماعية.
وبالرغم من صرامة القانون التونسي وتجريمه للزواج العرفي أو الزواج بامرأة ثانية، إلا أن الزواج العرفي شاع في المجتمع.
ويجرّم القانون كل صيغ الزواج التي لا تستجيب إلى الشروط القانونية والمدنية ويعتبرها باطلة. ومن هذه الصيغ ما يعرف بالزواج العرفي الذي لا يشترط حضور شهود ولا يوثق رسمياً وينعقد بمجرد كتابة عقد غير قانوني بين طرفين من دون الإقرار بأي حق للزوجة.
ويسمى الزواج العرفي قانونيّا “زواجا على خلاف الصيغ القانونية” ويعاقب عليه القانون، إذ يعتبر حسب الفصلين 36 و31 من قانون الحالة المدنية باطلا ويعاقب الزوجان بالسجن مدة ثلاثة أشهر خاصة، كما ينص القانون التونسي عدد 3 لسنة 1957 والمؤرخ في الأول من أغسطس من نفس السنة والمتعلّق بتنظيم الحالة المدنية وتحديدا بفصله الـ31 على أن يبرم عقد الزواج في تونس أمام عدلين أو أمام ضابط الحالة المدنية بمحضر شاهدين من أهل الثقة وهو ما يجعل من هذا الزواج المسمى بالعرفي مُجرّما وباطلا.
وقال عبدالستّار النجّار الباحث في العلوم الاجتماعية إن المسألة تعكس الوهن الذي أصاب مؤسسات الدولة وما رافقه من تفكك اجتماعي. وأكد أنه أمام ضعف مؤسسات الدولة يصبح من الصعب تتبع مخالفي القانون خاصة إذا كانت المخالفات ترتبط بحياة المواطن الخاصة.
أما الدكتور معز بن حميدة أستاذ علم الاجتماع فربط الظاهرة بتأخر سن الزواج والخوف من العنوسة. وقال بن حميدة إن “تأخّر سنّ الزواج وارتفاع تكاليفه والخوف من العنوسة كلها عوامل تقف وراء تفشي الزواج العرفي، بالإضافة إلى تشوّه صورة الزواج كمؤسسة اجتماعية وما يصاحبه من مشكلات وتوترات في العلاقة بين الأزواج وتفاقم نسب الطلاق وتضاعف الشعور بعدم الرضا ورتابة الحياة الزوجية”.
ويعتبر علماء الاجتماع أن الزواج العرفي أكبر مغالطة لأنه فى باطنه يشرع لزواج المتعة باعتباره غير مقيد ولا محدد في مدته الزمنية، فالشيء الوحيد الذي يحكمه هو أمد الرغبة الجنسية الذي يختفي باختفائها. فهو لا يعبر عن تلك المؤسسة الزوجية بقدر ما يعبر عن علاقات هشة تنبثق وسط الظلام وتختفي أيضا وسط الظلام لأنها غالبا ما تتم في كنف السرية.
ومن ناحية أخرى هو سلوك جبان، فعادة ما يلجأ إليه المتزوجون الذين يفتقرون إلى المسؤولية الأخلاقية والشجاعة والجرأة لمواجهة زوجاتهم وقوانين بلادهم، أي من أجل الخيانة التي يشرعونها والتي أضحت هي الأخرى مرضا عصريا مستعصيا.